إسرائيل تنشر الموت قصفاً وجوعاً ومرضاً

0 5

إسرائيل تنشر الموت قصفاً وجوعاً ومرضاً

مركز الميزان يدين بشدة تصاعد الجرائم الإسرائيلية ويطالب المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لوقف الإبادة الجماعية

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي جرائمها تجاه المدنيين في قطاع غزة، وتتخذ كل السبل التي من شأنها إيقاع أكبر الخسائر في صفوفهم من خلال استخدام سياسة القتل الجماعي، التي تبحث من خلالها عن تجمعات المدنيين في المنازل ومراكز الإيواء وأثناء انتظارهم داخل وأمام المطابخ الخيرية والأسواق، وتتعمد استهدافهم بالقصف، كما تواصل استخدام التجويع كسلاح، وتمنع المرضى من تلقي العلاج، في سياق جريمة الإبادة جماعية المستمرة دون توقف للشهر التاسع عشر على التوالي.

فقد تصاعدت عمليات القصف المركز لتجمعات المدنيين داخل الأحياء السكنية، وكانت أبرز الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال خلال اليومين السابقين، مجزرة مدرسة أبو هميسة، حيث قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية عند حوالي الساعة 18:00 من مساء يوم الثلاثاء الموافق 06/05/2025، ساحة المدرسة الواقعة في مخيم البريج في المحافظة الوسطى، والتي تأوي أكثر من 267 عائلة نازحة داخلها، لتعاود قصفها بعد عدة ساعات ما أسفر عن استشهاد 34 مواطناً، وإصابة أكثر من 100 آخرين، أكثرهم من النساء والأطفال، ووصفت حالة عدد كبير منهم بالخطيرة.

وفي حادث آخر منفصل، قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية عند حوالي الساعة 3:45 من فجر يوم الأربعاء الموافق 07/05/2025، مدرسة الكرامة “مركز إيواء” الواقعة في شارع النخيل بحي التفاح شرق مدينة غزة، لتعاود قصفه عند حوالي الساعة 10:00 من صباح اليوم نفسه، ما تسبب في استشهاد 16 مواطناً من بينهم أطفال ونساء وصحافي.

كما قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية عند حوالي الساعة 14:30 من مساء اليوم نفسه، مطعم التايلندي وبعد فارق زمني بسيط قصف مفترق بالميرا على بعد حوالي 30 متر من المطعم ناحية الشمال، ما تسبب في استشهاد 27 مواطناً من بينهم 7 أطفال وصحافي، وإصابة حوالي 80 مواطناً وصفت جراحهم بين الخطيرة والمتوسطة، علماً بأن المطعم مكتظ بالمواطنين ومفترق بالميرا بشارع الوحدة الذي تحول لسوق شعبي مليء بالبسطات.

وقي بيت لاهيا قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية عند حوالي الساعة 17:10 من مساء اليوم نفسه، منزلاً يعود لعائلة البدي مقابل نادي بيت لاهيا شمال قطاع غزة، ما تسبب في تدمير المنزل بالكامل، واستشهاد 15 مواطناً وإصابة عدد كبير من المواطنين.

وحول حادث استهداف مطعم بالاميرا، أفاد أحد شهود العيان: عند حوالي الساعة 2:30 مساء يوم الأربعاء 7/5/2025، وبينما كنت أسير في شارع فلسطين عائداً لمنزلي في حي النصر غرب مدينة غزة، سمعت صوت انفجار قوي، تبعه بعد حوالي ثلاث دقائق صوت انفجار آخر، وكان الصوت قادماً من ناحية شارع الوحدة، فتوجهت إلى هناك لمعرفة ما حدث، وكانت المسافة قصيرة، وصلت للمكان الذي كان قد تحول سابقاً إلى سوق شعبي عند مفترق مطعم بالاميرا، ورأيت جموع من الناس والأطفال يصرخون ويركضون، وصدمت من هول المنظر حيث كان عشرات المواطنين منهم الأطفال والنساء من المارة ومن أصحاب البسطات على الأرض ينزفون دماً، وحاول بعض المواطنين نقل الإصابات بسيارتهم المدنية والتكاتك للمستشفيات، ونقلت بعض الإصابات لمقر مؤسسة أطباء بلا حدود والتي تقع مقابل مطعم التايلندي، وكنت أرى محاولات الأطباء المتواجدين بالمكان من المؤسسة اسعاف ما يمكن اسعافه بشكل طارئ، وكانت هناك بركة من الدماء على مدخل المؤسسة، وبعد دقائق وصلت سيارات الإسعاف والدفاع المدني وبدأت بنقل المصابين من المكان.

ولم تقتصر الجرائم الإسرائيلية على عمليات القصف المكثف لتجمعات المدنيين في مناطق قطاع غزة المختلفة، إذ تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي إغلاق المعابر بشكل مطلق منذ تاريخ 2/3/2025، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية، وتستخدم التجويع كسلاح، في وقت يعاني فيه السكان أصلاً نقصاً كبيراً في جميع المواد والسلع والخدمات الأساسية والمستلزمات الطبية جراء أشهر طويلة من التدمير الممنهج لكل مقومات الحياة على مدار حرب الإبادة الجماعية، وأصبحت آلاف الأسر لا تستطيع تأمين احتياجاتها من الغذاء، وبدت مظاهر الجوع واضحة على السكان، وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن تفاقم حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال وضعف المناعة، ما تسبب في ارتفاع عدد الأطفال المتوفين نتيجة سوء التغذية إلى 57 طفلاً.

كما انعكس الحصار بشكل كارثي على قدرة المؤسسات الإغاثية والصحية الدولية والمحلية على تقديم خدماتها الأساسية، واضطرت العديد من هذه المؤسسات إلى تعليق عملها بسبب استهداف طواقمها ونفاذ المساعدات الإغاثية والطبية، ما تسبب في توقف توزيع المساعدات بعد نفاذ مخزون هذه المؤسسات، حيث أعلنت منظمة المطبخ المركزي العالمي مساء أمس الأربعاء عن وقف العمل في قطاع غزة بسبب نفاد الإمدادات اللازمة للطهي، وكان المطبخ يقدم الوجبات الساخنة لمئات آلاف الأشخاص في قطاع غزة، وبإغلاقه فإن حالات الجوع ستكون أكثر انتشاراً وتأثيراً. وكانت المتحدثة باسم الأمم المتحدة أولجا تشيريفكو قد صرحت بأن الأمم المتحدة فعلت كل ما بوسعها لتوزيع ما تبقى من مساعدات، ولكن الوضع أصبح حرجاً ووحشي وغير إنساني ويؤدي إلى مجاعة حقيقية.

وحول تفشي حالة الجوع، أفاد المواطن (ر.ن)، عدد أفراد أسرتي 10، من بينهم 5 أطفال، وأنا المعيل الوحيد لهم، وأعمل موظف لدى دائرة حكومية تتبع لرام الله، منذ عودة إسرائيل لإغلاق المعابر في بداية شهر مارس من هذا العام، بدأت أسعار الأغذية من خضار وأرز ودقيق بالارتفاع بشكل كبير، وبشكل تدريجي نفدت معظم هذه المواد من الأسواق، كنا نلجأ وقتها إلى المطابخ الخيرية للحصول على وجبات الطعام، كنا نتناول وجبتين في اليوم، وجبة من المطبخ، ووجبة مما أستطيع شراءه من السوق، ثم تقلصت قدرتي على الشراء بسبب ارتفاع الأسعار وقلة الدخل وعدم توفر السيولة، وأصبحنا نأكل وجبة واحدة في اليوم، ومنذ ثلاثة أيام أغلق المطبخ أبوابه بسبب عدم وجود مواد أساسية للطبخ، وأصبح الجوع يشتد بنا لا سيما بأطفالي الصغار، وأصبحت أخرج كل يوم أمشي لأحاول البحث عما يسد جوع أطفالي، أبحث لدى الناس عن فائض من الدقيق والأرز، أو المعكرونة لأحولها لخبز، ضعفت أجسادنا، وأبنائي لا ينامون من شدة الجوع، ولا أعرف إلى متى سنصمد.

كما قلصت المستشفيات والمراكز الصحية خدماتها إلى الحد الأدنى، حيث أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن آلاف المواطنين لا سيما الأطفال يتوافدون إلى مستشفياتها بسبب سوء التغذية وفقر الدم، في حين لا تقوى المستشفيات على تقديم مساعدة فعلية نتيجة منع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية.

وحول صعوبة الحصول على العلاج في ظل الحصار، أفاد السيد (ن.ع)، عمري 58 عاماً، أعاني من مرض انسداد الشرايين، وأبلغت بضرورة إجراء عملية قلب مفتوح، ولكن ولقلة إمكانيات المستشفيات في الوقت الحالي بسبب التدمير وقلة الدواء تحول دون تمكني من إجراء العملية، وأعتمد حالياً على مميعات الدم وبعض الأدوية حتى أحافظ على حياتي لحين توفر الفرصة لإجراء العملية، والمشكلة أني لا أجد العلاج متوفراً لدى المراكز الصحية في غزة في أغلب الأوقات، وأبحث عنه في المؤسسات الطبية الأهلية والصيدليات، وفي كثير من الأحيان لا أجده، وأكتفي بتناول نوع دون الآخر حسب المتوفر، وإذا بقيت الأمور على هذا الحال بدون إدخال الأدوية، وبدون إجراء العملية، أعتقد أنني لن أحيى طويلاً.

مركز الميزان لحقوق الإنسان، إذ يدين عمليات القتل الجماعي التي تقوم بها إسرائيل من خلال الهجمات الحربية والقصف المباشر والمكثف بشكل متصاعد تجاه المدنيين، فإنه يحذر في الوقت ذاته من استمرار استخدام التجويع كسلاح، ونشر المجاعة في صفوف السكان، بسبب استمرار إغلاق المعابر وتشديد الحصار، وتعمد استهداف مصادر الغذاء والمياه والمنظومة الطبية، ومقدمي المساعدات الإنسانية، ما يتهدد حياة أكثر من 2 مليون فلسطيني بالموت الفعلي.

 ويرى المركز أن استمرار دولة الاحتلال في حرب الإبادة الجماعية، والحديث عن خطط لتوزيع المساعدات تشرف عليها في مناطق محددة، يأتي في سياق تحقيق أهدافها في إلحاق الأذى البالغ بالمدنيين، وخلق واقع تصعب فيه الحياة، واستكمالاً لمخططاتها في تجير سكان القطاع، في تنكر كامل لكل القرارات والمعاهدات الدولية، لا سيما قرار محكمة العدل الدولية بشأن التدابير الاحترازية بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية بما يضمن سلامة وأمن السكان الفلسطينيين، وهو ما تترجمه إسرائيل بمزيد من الجرائم ومنع دخول المساعدات الإنسانية.

وعليه، يجدد المركز مطالبته للمجتمع الدولي بضرورة التدخل الفوري لإجبار دولة الاحتلال على وقف جريمة الإبادة الجماعية، وفرض وقف إطلاق النار، والإقلاع عن استخدام سياسة العقاب الجماعي والتجويع كسلاح، والعمل على حفظ أرواح المدنيين في قطاع غزة من خلال رفع الحصار وضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية بأقصى حد، وتفعيل آليات المساءلة والمحاسبة، لضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب، وتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية بحق نتنياهو وجالانت، فيما يتعلق بالتجويع واستخدامه كسلاح في الإبادة بحق المدنيين.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد