تقرير خاص .. أكتوبر/تشرين أول 2025 .. عامان من الإبادة الجماعية في قطاع غزة والفظاعات في عموم أراضي فلسطين المحتلة
أكتوبر/تشرين الأول 2025
عامان من الإبادة الجماعية في قطاع غزة
والفظاعات في عموم أراضي فلسطين المحتلة
168 ألف جريح فلسطيني، ونحو 20 ألفاً من أصحاب الأمراض المزمنة المعرضون للوفاة بسبب النقص الحاد في إتاحة الرعاية الصحية بعد تقويض العدوان الإسرائيلي للبنية التحتية الصحية ضمن التقويض الشامل لكافة البُنى التحتية في القطاع.
هذه الأرقام تشكل الحد الأدنى المؤكد وفقاً للإدارة الصحية المحلية ومنظمات العمل الإنساني الفلسطينية والدولية الناشطة في القطاع، بينما تشير تقديرات علمية دولية إلى أن الأعداد المتوقعة ربما تتجاوز الضعفين، بينما أفادت منظمة إسرائيلية موالية لحكومة اليمين الصهيوني الفاشية قبل ثلاثة أسابيع بأن 30 ألف من مقاتلي المقاومة قد سقطوا خلال العمليات الحربية، وأن المدنيين الذين سقطوا خلال العمليات هم ضعف عدد المحاربين، وبالتالي فقد أفادت المنظمة الإسرائيلية بأن 90 ألف فلسطيني قد سقطوا في القطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين أول 2023.
نحو 290 ناشطاً إعلامياً جرى قتلهم على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، بينهم 255 صحفي مهني.
نحو 600 من العاملين الإنسانيين جرى قتلهم على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، بينهم نحو 300 من موظفي وكالات الأمم المتحدة الإنسانية.
تم تدمير ما لا يقل عن 45 بالمائة من المساكن بصورة شاملة، بما في ذلك محو مدن وبلدات عن الخريطة مثل رفح وجباليا وبيت حانون وغيرها، وترتفع النسبة إلى تدمير نحو 45 بالمائة أخرى من المساكن بصورة جزئية على النحو الذي يجعلها غير قابلة للسكن.
تم تدمير نحو 95 بالمائة من المرافق والبنية التحتية في القطاع، بما في ذلك المدارس والجامعات ومحطات المياه وخطوط الطاقة، وبينها نحو 80 بالمائة من المرافق الصحية والطبية.
1.9 مليون فلسطيني جرى تهجيرهم داخل القطاع، أغلبيتهم تكررت مرات نزوحه إلى ما بين 10 مرات و15 مرة.
يكتظ نحو 1.8 مليون فلسطيني في المنطقة الواقعة بين وادي غزة منتصف القطاع الضيق وبين شمالي خان يونس، بينهم نحو 1.2 مليون يقبعون في الخيام، ونحو 400 ألف ممن غادروا مدينة غزة مؤخراً يتمنون الحصول على خيمة تأويهم.
الطريق إلى السابع من أكتوبر
التاريخ لم يبدأ في 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، لكن المأساة الفلسطينية بدأت قبل 80 عاماً بنكبة أـدت لتهجير 750 ألف فلسطيني من ديارهم عام 1948، ثم باحتلال الـ22 بالمائة المتبقية من أراضيهم التاريخية في العام 1967، واقتطاع 60 بالمائة من تلك الأراضي القليلة المتبقية في القدس والضفة الغربية عبر الاستيطان وشبكة الطرق المحظورة عليهم وجدار العزل العنصري المقام في الضفة الغربية.
فشل نظام الأمم المتحدة الذي تأسس في العام 1945 في رد الحقوق للفلسطينيين، وعجز مجلس الأمن الدولي عن الاضطلاع بمسئولياته في فرض السلم والأمن في ظل 51 فيتو أمريكي ضد قراراته منذ العام 1970، بينها 6 قرارات أفشلها الفيتو الأمريكي خلال العامين الأخيرين، بما في ذلك الفيتو ضد قرارات اتخذتها أعلى هيئة قضاء دولية ممثلة في محكمة العدل الدولية.
تنازل الفلسطينيون في 1988 عن حقوقهم في الأراضي التي احتلتها إسرائيلي في 1948 لفتح الباب أمام تحرير أراضيهم في العام 1967 لإقامة وطن يلوذون به من الاحتلال وجرائم الحرب اليومية، واحتكرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ 1991 “إدارة” ملف التسوية وليس إنجاز ملف التسوية، واستمرت حمايتها للاحتلال الإسرائيلي لتكون إسرائيل آخر قلاع الاستعمار التي حددها النظام الدولي ولكنه لم يُفلح في وضع حد لها.
التاريخ لم يبدأ في 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، فخلال الفترة 2001 – 2023، وعلى تعاقب الحكومات الإسرائيلية، تواصل تقويض حل الدولتين عبر مواصلة تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي باستيطان محموم وضم للأملاك الفلسطينية الخاصة والعامة.
لم تشكل جولات واي ريفر بلانتيشن 1998، ولا كامب ديفيد 2 في 2000، ولا أنابوليس 2007 أي متغير يفتح باب الأمل للفلسطينيين في استرداد ما قبلوه من حقوق يسيرة للغاية وبتنازلات كبيرة، وبقيت الأراضي الفلسطينية تحت حصار مطبق لا تتوافر فيه أية مقومات للمعيشة الإنسانية.
منذ 2002، فرض الاحتلال حصاراً مطبقاً على مدن الخليل ونابلس وجنين وقلقيلية وطولكرم بالضفة الغربية، قبل أن تفرض حصاراً شاملاً منذ 2006 على قطاع غزة الذي بقي يتعرض لجولات عدوان دامية في 2008 و2012 و2014 و2021 راح ضحيتها نحو 6 آلاف شهيد و40 ألف جريح.
وخلال الفترة 2021 – 2023، وعلى تعاقب الحكومات الإسرائيلية، أطاح الاحتلال بتفاهمات العقبة – شرم الشيخ لوقف التصعيد، وقاد أعضاء الحكومة الحالية هجمات كبرى على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والضفة الغربية تشكل 30 ضعفاً (كماً ونوعاً) لمثل هذه الانتهاكات الفاشية في الأوقات السابقة.
خلال العام 2022، قتلت قوات الاحتلال 231 فلسطينياً، بينهم 220 فلسطينياً في الضفة الغربية، بينما كان الهدوء يشكل الطابع الأساسي للوضع بين الاحتلال وبين الفاعلين في قطاع غزة.
بين 1 يناير/كانون ثان 2023 و6 أكتوبر/تشرين أول 2023، قتلت قوات الاحتلال 252 فلسطينياً في نهج يعكس استمرار التصعيد في ظل حكومة اليمين الفاشي لتقويض الحديث الفلسطيني الدولي عن حل الدولتين، بينهم 248 في القدس والضفة الغربية، واستخدمت للمرة الأولى منذ العام 1967 القصف الجوي في مناطق شمال الضفة وخاصة في مدينة ومخيم جنين، وكان الهدوء أيضاً هو السمة الرئيسية في قطاع غزة.
انتهت تحقيقات إسرائيلية ذاتية إلى أن تطبيق قوات الاحتلال الإسرائيلي “بروتوكول هانيبال” ضد هجمات المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين أول 2024 قد شكلت المصدر الرئيسي لقتل أكثر من نصف الإسرائيليين في ذلك اليوم وخاصة غير المجندين منهم، حيث فضلت قيادة الاحتلال أن تقتل الجميع “إسرائيليين وفلسطينيين على السواء” لتجنب الفشل الذي وقعت فيه رغم كل ترتيباتها الحمائية وتقنياتها العسكرية.
يتفق غالبية الإسرائيليين بداية من ديسمبر/كانون أول 2023 على تحميل المسئولية لحكومة اليمين الفاشية عن استمرار الحرب دون مغزى، بالإضافة إلى مسئوليتها عن مقتل الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في قطاع غزة.
إطار دولي على وشك الانقراض
يمر هذا العام ثمانون عاماً على نشأة نظام الأمم المتحدة، وهو نظام لطالما عجز عن إنجاز السلام في قضايا جوهرية، فرغم بضعة نجاحات تحققت خلال الثلاثين عاماً الأولى من قيام هذا النظام، كان الفضل في ذلك لتوازنات دولية وإرادات قوية للشعوب المضطهدة، فاستقلال البلدان التي تعرضت للاستعمار لم يأت نتيجة للنظام الدولي بقدر ما تحقق بفضل مقاومة الشعوب.
وظلت النجاحات تتراجع عقداً بعد عقد، وتتعقد أوضاع القضايا الجوهرية وتكون معالجتها أبعد منالاً، ونموذجها الأكثر قسوة يتمثل في قضية الشعب الفلسطيني الذي يعاني استعماراً عنصرياً استيطانياً إحلالياً ويتأسس على الفصل العنصري البغيض.
وكشف السابع من أكتوبر 2023 عن الوجه القبيح للفشل الدولي عبر مقارنة بسيطة بين الموقف الدولي من الحرب في أوكرانيا وبين الوضع في فلسطين المحتلة، حيث انتقلت الفظاعات الإسرائيلية من جرائم الحرب اليومية وممارسات ترتقى للجرائم ضد الإنسانية أيضاً، انتقلت إلى ممارسة جريمة الإبادة الجماعية في أقسى صورها.
وفرت تصريحات كبار قادة الاحتلال الركن المعنوي والقصد الجنائي لارتكاب الجريمة بداية من مساء 7 أكتوبر/تشرين أول 2023 ونهار 8 أكتوبر/تشرين أول 2023، حيث أعلنت قيادات الاحتلال قراراتها التي شكلت الركن المادي في الجريمة بقطع إمدادات الحياة عن سكان قطاع غزة، بما في ذلك المياه والوقود والغذاء والأدوية والمستلزمات الطبية، والتي بدأ نفاذها فعلياً بداية من صباح هذا اليوم 9 أكتوبر/تشرين أول 2023، بتصريحات واضحة تُبيح قتل الفلسطينيين لكونهم فلسطينيين، ووصفهم بـ”الحيوانات البشرية” التي تستحق القتل، واستدعاء مقولات دينية تؤكد الحق في قتل “الغير”، كل الغير بما في ذلك النساء والأطفال والشيوخ، بالتوازي مع هجمات عشوائية انتقامية ضد الجميع.
وسريعاً تجلت خطة الاحتلال في تهجير الفلسطينيين، فخلال أقل من 48 ساعة من القتل العشوائي بالقصف البري والجوي والبحري، اتخذ العدوان الإسرائيلي منهجية دفع السكان من شمال قطاع غزة نحو الجنوب، مع ضغوط غربية على القاهرة للقبول بهجرة السكان نحو الأراضي المصرية مقابل إغراءات اقتصادية ضخمة وضغوط سياسية، قبل التحول نحو فكرة الهجرة المؤقتة لعامين.
وفي مؤتمر السلام بالقاهرة في 21 أكتوبر/تشرين أول 2023 استمرت التحركات الغربية صوب هذا الاتجاه للتهجير، قبل التحرك لاحقاً في 2024 باتجاه مصطلح السماح بـ”الهجرة الطوعية”، والذي لم يعد ممكناً بفضل الرفض المصري.
استمر عجز مجلس الأمن عن التدخل لحماية السلم والأمن الدوليين، رغم اتساع نطاق العدوان الإسرائيلي في سبعة بلدان، ما بات معه دليلاً قاطعاً على عدم صلاحية استمرار النظام الدولي على النحو الماثل، وأن الخيار الإنساني بات ينحو باتجاه إما إصلاح هذا النظام الفاشل بصورة جذرية، أو انقضاء صلاحية هذا النظام بصورة تامة.
وبالرغم من تحولات الرأي العام العالمي، والتحولات الجذرية التي شهدها الرأي العام الغربي في ظل فظاعات العدوان الإسرائيلي وجرائم الحرب والإبادة التي تُبث على الهواء، لم يتخذ القادة الغربيين حلفاء الاحتلال أي تحولات جدية تؤدي لوقف العدوان، سوى بضعة إجراءات ضعيفة لم تعدو كونها محاولة لاستيعاب الغضب الشعبي المتصاعد تدريجياً في الدول الأوروبية.
قوضت سلطات الاحتلال جهود وقف إطلاق النار في شتى مراحلها، بداية من نوفمبر/تشرين ثان 2023، وحتى يناير/كانون ثان 2025، وأعادت الإدارة الأمريكية الحالية تجديد التحرك نحو تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر وإلى غيرها من دول المنطقة والعالم.
جريمة الإبادة الجماعية
في 12 أكتوبر/تشرين أول 2023، قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان أن ما يجري في قطاع غزة هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، واستدعت المنظمة معايير جريمة الإبادة الجماعية وفقاً لما نصت عليه اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها 1949، وبالمثل ما رسخه نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998 في مادته السادسة.
وفي 28 ديسمبر/كانون أول 2023، تقدمت جمهورية جنوب أفريقيا بدعوى إلى محكمة العدل الدولية ضد دولة إسرائيل تتهمها بارتكاب الإبادة الجماعية في قطاع غزة بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، والولاية الممنوحة للمحكمة بموجب الاتفاقية.
وفي 26 يناير/كانون ثان 2024، وبعد أسبوعين من جلسات ماراثونية، أصدرت المحكمة قرارها باتخاذ ستة تدابير جوهرية، غير أن أهم ما شمله قرار المحكمة يتمثل في قبول نظر الدعوى على النحو الذي يفيد بأن هنالك جريمة إبادة جماعية “محتملة تجري”.
وبموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، فإن كافة الدول الأطراف في الاتفاقية مُلزمة باتخاذ تدابير فورية وعاجلة، بالصورتين الفردية والجماعية لوقف ارتكاب هذه الجريمة المحتملة، لكونها جريمة لا يمكن إصلاح أو معالجة آثارها ونتائجها.
كان مرتقباً أن تتخذ الدول تدابير عاجلة وفورية لمنع الإبادة، غير أن الاستجابة بقيت ضعيفة، فرغم أن نحو 20 دولة أعلنت انضمامها لجنوب أفريقيا في دعواها، فإن الأكثر أهمية هو التدابير الواجبة لوقف الجريمة، وهو أمر لم يتسع ليشمل كافة الدول الأطراف، والتي جاءت تدابير البعض منها متفاوتة، والبعض من هذه التدابير ظل أقل مما يؤثر عملياً.
وكان الموقف الأوروبي محل دهشة الجميع، فعلى أضعف تقدير كان مرتقباً أن يتجه الاتحاد الأوروبي نحو تجميد اتفاقية الشراكة مع إسرائيل بموجب ما تفرضه المادة الثانية من الاتفاقية بشأن مكافحة انتهاكات حقوق الإنسان، وهو الإجراء الذي كان ليؤثر بصورة ملموسة للمساهمة في وقف العدوان.
ورغم قرارات مجلس حقوق الإنسان الأممي بداية من أبريل/نيسان 2024 بحظر تزويد الاحتلال بالأسلحة، فلم تلتزم غالبية الدول الأوروبية بقرار الحظر، وفرض بعضها متأخراً حظراً كلياً في صيف 2025، واتجه بعضها لحظر رمزي بدعوى وقف إمدادات الأسلحة التي يمكن استخدامها في قطاع غزة.
ورغم فداحة المشاهد المتلفزة من قطاع غزة، فإن العديد من الدول، وبعض المنظمات تأخر في تصنيف ما يجري في قطاع غزة بجريمة الإبادة الجماعية، وهو ما شجع الاحتلال على ممارسة عديد من مظاهر هذه الجريمة الكبرى في البعض من مناطق الضفة الغربية.
جهود إنهاء الحصانة
جاء انضمام دولة فلسطين لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في يناير/كانون ثان 2015 ومنح المحكمة ولاية النظر في الجرائم المرتكبة في أراضي فلسطين المحتلة بداية من 13 يونيو/حزيران 2014 عاملاً مهماً في مخاطبة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وكان مرتقباً أن تنهض المحكمة بمسئولياتها تجاه الفلسطينيين مبكراً، غير أن ذلك لم يؤت ثماره قبل قرار الغرفة المسئولة بالمحكمة عن أحقيتها بنظر الجرائم في فلسطين المحتلة في 5 فبراير/شباط 2021، وقرار المدعية العامة السابقة “فاتو بن سودا” بإطلاق التحقيقات في 3 مارس/آذار 2021.
للمحكمة أهمية بالغة، حيث انضم لنظام روما الأساسي 124 دولة، وبالتالي فإن قرارات المحكمة، وبينها ضبط وتقديم المتهمين للمحكمة يسري في 124 دولة، بينما كان للتحركات السابقة في دول الولاية القضائية الجنائية الدولية أثره فقط في الدول التي تنظر في الجرائم.
لكن التحقيقات لم تتقدم في المحكمة منذ منتصف 2021، وحتى نوفمبر/تشرين ثان 2023، حيث قادت الخروقات الإسرائيلية الجسيمة للقانون الدولي والقانون الجنائي الدولي وفداحة الدماء التي أُرهقت بداية من 7 أكتوبر/تشرين أول 2023 لدفع المحكمة نحو بدء التحقيقات.
وفرت الحركة الحقوقية الفلسطينية الأسس التي تؤسس لعمل المحكمة، وتوثيقاً قوياً للجرائم، ما ساعد في قبول المحكمة للاختصاص في 2021، وهو كذلك ما ساعد منظومة حقوق الإنسان الأممية في قراراتها وتقييماتها والتي شكلت سنداً مهماً لصحيفة الدعوى ومرافعة جمهورية جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية في يناير/كانون ثان 2024.
وفي 20 مايو/آيار 2024، طلب المدعي العام من الغرفة التمهيدية للمحكمة المصادقة على طلبات اعتقال رئيس وزراء الاحتلال ووزير دفاعه بسبعة تهم، مع ثلاثة متهمين فلسطينيين تم قتلهم بواسطة الاحتلال الإسرائيلي في فترات لاحقة.
وكان صادماً أن تسعى حكومات أوروبية للتقدم للمحكمة بطلبات لإرجاء قراراتها ولإبطال أوامر اعتقال المتهمين الإسرائيليين، غير أن الغرفة التمهيدية أقرت في 20 نوفمبر/تشرين ثان 2024 قرارات التوقيف الصادرة عن المدعي العام، وهو ما يستدعي قيام الـ124 دولة الأطراف في الاتفاقية بتنفيذ قرار القبض والتسليم.
وكان صادماً كذلك أن تتواطأ بعض حكومات أوروبية في استقبال رئيس وزراء الاحتلال، وفي السماح له بعبور أجوائها للسفر إلى الولايات المتحدة، ما يعد خرقاً فاضحاً لالتزاماتها لكونها دول أطراف في المحكمة.
وفي ربيع 2025، أصدرت الإدارة الأمريكية الحالية عقوبات بحق المدعي العام للمحكمة وعدد من معاونيه لقيامهم بالتحقيق في شأن الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ولحقتها في أغسطس/آب 2025 بفرض عقوبات جديدة على قضاة في المحكمة، وانتقلت في مطلع سبتمبر/أيلول 2025 إلى فرض عقوبات على ثلاثة منظمات حقوقية فلسطينية لتعاونها مع المحكمة، مع مؤشرات على قرار بفرض عقوبات شاملة على المحكمة وعلى كل من يتعاون معها في المدى المنظور، وهو ما يشكل إعلاناً عن انقضاء تام لنظام العدالة الدولي الذي لطالما عانى قبلاً من اختلالات حادة مزمنة.
يعد هذا الإجراء امتداداً لخروقات أمريكية فادحة، شملت فرانشسكا ألبانيز مقررة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، وتخفيضات إضافية للحصة الأمريكية لدعم عمل وكالات الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الإنسان، ورفعاً للتعريفات الجمركية بحق دول لأنها شاركت في الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
كما تشكل هذه الإجراءات التي تعد تقويضاً للنظام الدولي امتداداً لاستخدام الإدارة الأمريكية السابقة لحق النقض “الفيتو” ضد قرار من مجلس الأمن يستهدف تفعيل قرارات محكمة العدل الدولية بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وبشكل متزامن مع استمرار الإدارتين في منح تفويضاً كاملاً لحكومة الاحتلال بالإمعان في جريمة الإبادة وجرائم الحرب بحق الفلسطينيين من خلال الدعم الاقتصادي الهائل، وإمدادات السلاح والتعاون الاستخباري والضغط السياسي على العديد من الحكومات عبر العالم.
ولم تكتف الإدارات الأمريكية وبعض الحكومات الأوروبية بذلك، لكنها سعت لتقويض نظام العدالة المحلي فيها من خلال الضغط لوقف دعاوى متنوعة بادرت إليها جماعات حقوق الإنسان، وبينها دعوى بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية في الولايات المتحدة، ودعاوى في دول أوروبية عديدة سواء بهدف منع تصدير الأسلحة وقطع غيار معدات عسكرية، أو للملاحقة الجنائية لمواطنين في تلك الدول يحملون كذلك الجنسية الإسرائيلية ويشاركون بين صفوف قوات الاحتلال في العدوان على الأراضي الفلسطينية ويتفاخرون بجرائمهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
نحو استدامة الضغوط القانونية
دعت المنظمة العربية لحقوق الإنسان خلال الشهور الثلاثة الماضية إلى حتمية الفصل بين جهود وقف إطلاق النار والتهدئة وحتى التسوية التي ينشدها العديد من أطراف المجتمع الدولي، وبين ضمان مساءلة ومحاسبة الجناة ومنع إفلاتهم من العقاب.
ومنذ أكتوبر/تشرين أول 2023، تجتهد المنظمة للعمل على تعظيم الجهد الحقوقي الدولي، وكذا العمل الجماعي العربي، ووفرت إصداراتها توثيقاً لطبيعة الجرائم وأنماط الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين، والفظاعات التي تأتي في إطار جريمة الإبادة الجماعية الجارية.
وبموجب إذن من السلطات المصرية، أجرت المنظمة بالتعاون مع مركز الميزان لحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة تحقيقات ميدانية تشمل توثيق إفادات ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ممن يتلقون العلاج في مصر، وتوثيقاً للتعنت الإسرائيلي في السماح بنفاذ المساعدات بصفة عامة والمساعدات المنقذة للحياة بصفة خاصة.
وتتكامل هذه الجهود مع التحقيقات الميدانية التي يقوم بها مركز الميزان في القطاع وغيرها من الجهود الحقوقية الفلسطينية الدؤوبة في عموم أراضي فلسطين المحتلة، وشملت هذه الجهود ثلاثة مراحل:
الأولى: بداية من فبراير/شباط 2024، وقام مركز الميزان بإرسال نتائجها إلى فريق التحقيق المختص بمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في مطلع أبريل/نيسان 2024
الثانية: بداية من يونيو/حزيران 2024، وقامت المنظمة بإيداع نتائجها لدى فريق التحقيق المختص بمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في زيارة لمقر المحكمة بلاهاي في سبتمبر/أيلول 2024.
الثالثة: بداية من فبراير/شباط 2025، وقامت المنظمة بإيداع نتائجها لدى فريق التحقيق المختص بمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في زيارة لمقر المحكمة بلاهاي في سبتمبر/أيلول 2025.
وشملت الجهود ثلاثة زيارات ميدانية لشمالي سيناء وتفقد آلية دخول المساعدات وتدفق المرضى والجرحى عبر منفذ رفح الحدودي والمركز اللوجستي للمساعدات الإنسانية بمدينة العريش، وزيارة 32 مستشفى وتفقد حالات نحو 1600 جريح ومريض فلسطيني، وتوثيق إفادات 151 جريح، غالبيتهم من الأطفال، وغالبيتهم تعرضوا لبتر أطراف بما في ذلك بتر أطراف متعددة.
كما تمت إحاطة آليات الأمم المتحدة المختصة بالنتائج عبر اجتماعات عدة بمقر المنظمة في القاهرة خلال العام 2024، بما في ذلك لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان، والمقررة الخاصة بالوضع في فلسطين المحتلة، والمقرر الخاص بالحق في السكن، ولقاء سابق بالقاهرة بدعوة من مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في نوفمبر/تشرين ثان 2023
كذلك تمت إحاطة الاليات عبر أربعة أحداث جانبية نفذتها المنظمة في قصر الأمم المتحدة بجنيف على هامش دورات مجلس حقوق الإنسان الأممي، ولقاءات مع مسئولين أمميين.
بالإضافة إلى زيارات في الدول الأوروبية شملت لقاءات مع مسئولين سياسيين وبرلمانيين ووسائل الإعلام، اتصالاً بسعي المنظمة وشركائها للمحافظة على التحول في الرأي العام الغربي لطرح الحقائق ومحاصرة الروايات التي تلاعبت بمواقف الرأي العام خلال العقود السابقة.
وتعتقد المنظمة أن عدداً من التحركات يبقى مطلوباً بشكل عاجل خلال الفترة المقبلة، وهي:
* توفير دعم عربي رسمي وشعبي لجهود المحكمة الجنائية الدولية
* توفير دعم عربي رسمي وشعبي لجهود المنظمات الحقوقية الفلسطينية، وخاصة التي تعرضت للعقوبات الأمريكية
* توفير دعم عربي رسمي وشعبي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” لكونها تشكل العمود الفقري لدعم العمل الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها
* تعزيز العمل نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية لمحاصرة محاولات حكومة اليمين الفاشي الإسرائيلية تقويض حل الدولتين
* تنسيق الجهود بين أطراف حركة حقوق الإنسان لتعزيز الضغوط عبر المحاكم الوطنية في الدول الرئيسية
* تركيز الجهود للإضاءة على الكارثة الإنسانية في قطاع غزة والخطر المستمر للمجاعة المميتة