مقال … التصاريح : آلية السيطرة على الديموغرافيا وتفتيت الجغرافيا …. بقلم الاستاذ عصام يونس…. مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان والمفوض العام للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان
التصاريح: آلية السيطرة على الديموغرافيا وتفتيت الجغرافيا
مقال أ. عصام يونس
مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان والمفوض العام للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان
يعد قطاع غزة السجن المفتوح الأكبر في العالم، والمفارقة أن السجّان فيه، بعكس ما هو قائم في أي سجن، يتحلل من أي مسئولية تجاه من يتولى سجنهم، بل ويقيّد بشكل خطير وصول الغذاء والدواء اليهم، ويمارس بحقهم حصارا وعزلا واضطهادا وحرمانا من حقوقهم الأساسية. ومنذ أن فرضت حكمها العسكري على الأراضي الفلسطينية في العام ١٩٦٧ تحكمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ولازالت، في حركة الأفراد والبضائع منه وإليه، وأنشأت نظاماً معقداً من التصاريح أتاح لها السيطرة المطلقة على السكان والتحكم في تفاصيل حياتهم، وسعت بشكل حثيث إلى تعزيز فصل قطاع غزة، وتعميق تفتيت الأراضي الفلسطينية، بحيث تتعامل معه كجغرافيا منفصلة تماماً عن بقية تلك الأراضي، معمقةً من أزمات القطاع، ولاسيما الإنسانية، التي تدهورت بشكل غير مسبوق.
إن تفتيت وحدة الأراضي الفلسطينية هي عملية منظمة تحاول إسرائيل من خلالها تقويض حل الدولتين فعلياً، المدعوم دوليا، والقضاء على أي ممكنات لذلك. بل وتقوم بمحاولات حثيثة لكي الوعي الفلسطيني- نظريةً وممارسةً- لترسيخ فكرة استحالة تجسيد وحدة الأرض والشعب والنظام السياسي.
تدفع إسرائيل بغزة الغارقة في مشاكلها المركبة من ماء وكهرباء واحتياج إنساني لتصبح منفصلة بذاتها، و تجبر السكان – عبر الإنشغالات المتواصلة في الهموم اليومية- لتأمين الحاجات الأساسية – على توجيه الوعي قسرا لجهة الركض خلف محاولات تأمين الحاجات الإنسانية الأساسية. تسببت هذه الإجراءات ولم تزل في عملية تعميق منظم للتخلف (De-development) لكل جوانب حياة المجتمع، فأعاقت تطوره واحتجزت مستقبل أجياله.
ومع الوقت أصبح قطاع غزة في حالة من انعدام اليقين، ومنطقة عصية على التنبؤ بما سيكون عليه حالها خلال ساعات قادمة، بفعل مفاعيل الحصار المفروض منذ 14 عاماً، والانقسام السياسي الداخلي، وما أُفضيت إليه من هشاشة الأوضاع، والاعتمادية الهائلة على الآخرين، في ظل حقيقة أن حوالي 75٪ من سكانها من اللاجئين.
إن أسوأ ما في الحالة أنها تعيد إنتاج نفسها بشكل أخطر وأكثر صعوبة، بالنظر للديناميات العالية للحالة وما تخلف من أثر على حياة السكان ووعيهم، حالة ربما تشكل إحدى أهم الأسباب التي تدفع السكان ولاسيما الشباب منهم للهجرة بسبب فقدان الأمل واستحالة العيش طبيعياً ولو بالحدود الدنيا المقبولة.
خلفية تاريخية
منذ اليوم الأول لاحتلال إسرائيل لقطاع غزة في العام 1967، أصدر القائد العسكري أمراً أعلن بموجبه قطاع غزة منطقة عسكرية مغلقة، يحظر الدخول إليها أو الخروج منها، وبقي ذلك الحظر ساريا حتى العام ١٩٧٢ حيث منح القائد العسكري وبموجب الأمر العسكري نفسه الذي لم يلغه، تصريحاً عاماً للسكان يُمكّنهم من الخروج للضفة وإسرائيل. لقد خدم التصريح العام المصالح المباشرة لدولة الاحتلال، كونه جاء بعد تثبيت الإدارة العسكرية في قطاع غزة وتمكنها من إدارة حياة السكان عبر جملة من الأوامر العسكرية التي ربطت اقتصاد قطاع غزة بدولة الاحتلال، وعمَّقت قسرياً من تبعيته، وتحكّمت في أوجه النشاط الاقتصادي واستخدامات الأراضي والمياه.
وكان قرار السماح العام هو قرار أمني- اقتصادي بامتياز، وجرى تعطيله لاحقاً في الانتفاضة الأولى عندما أجبر الحاكم العسكري سكان القطاع، الذين يودون الخروج منه، الحصول على تصريح وبطاقة ممغنطة بالإضافة لبطاقة الهوية.
لقد هدف قرار السماح العام في حينه إلى حل مشكلة أمنية كبيرة بالنظر إلى أن غالبية السكان هم من الشباب، وبالتالي فإن فتح سوق العمل الإسرائيلي أمامهم يبعدهم عن الانخراط في مقاومة الاحتلال، كما أن الاقتصاد الإسرائيلي، الذي شكل قطاعا الإنشاءات والزراعة مكونين أساسيين فيه، كان بحاجة ماسة إليهم كأيدي عاملة رخيصة، قبل أن يتحول لاحقاً نحو التكنولوجيا والصناعات العسكرية. عملت السياسات، التي جرت هندستها بأوامر عسكرية، على منع تراكم رأس مال فلسطيني، فما كان يتقاضاه العامل من أجر كان مكره على انفاقه في شراء البضائع الإسرائيلية التي لم تسمح لغيرها بالتواجد في الأسواق الفلسطينية ولم تكن لتسمح بنشوء صناعة فلسطينية.
نظام التصاريح كأداة للتحكم
يعتبر نظام التصاريح الذي فرضته السلطات الإسرائيلية على السكان للخروج من القطاع لغرض التعليم أو العمل أو العلاج أو لجمع شمل العائلة أو لأي سبب آخر، أحد الأشكال الأساسية في تثبيت الاحتلال وسيطرته على السكان. وعلى الرغم من أن اتفاقية أوسلو قد عرفت الأراضي الفلسطينية بأنها وحدة سياسية واحدة ولا يجوز المساس بسلامتها الإقليمية، إلا أن ما قامت به إسرائيل قيّد حركة المواطنين داخلياً وخارجياً وقوض وحدتها على نحو خطير.
في العام 2005، قررت إسرائيل الانفصال أحادياً عن قطاع غزة، لتعيد انتشار قواتها على طول حدوده وأبقت تحكمها المطلق في معابره وبحره وسمائه. ولاحقاً في عام 2007، بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، أعلنت القطاع إقليماً معادياً وفرضت حصاراً مشدداً عليه، قيّدت بموجبه حركة الأفراد على نحو خطير وحصرتها في ثلاثة فئات وهي، تجار، مرضى ومرافقيهم، والحالات الإنسانية الاستثنائية كوفاة قريب من الدرجة الأولى.
ويتوجب على الأفراد الراغبين في الحصول على تصريح تقديم الطلب للهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية، التي تنقله بدورها إلى الجانب الإسرائيلي الذي يخضعها للفحص الأمني وهي العملية التي تستغرق وقتا طويلا، بحيث يستغرق الرد على طلب مريض بالسرطان حوالي 23 يوم عمل، وفي الحالات المصنفة إنسانية، قد تصل المدة إلى خمسين يوماً، وفي كثير من الأحيان لا ترد السلطات على الطلب المقدم إطلاقاً. وقد تسمح لمريض بالسفر ولا تسمح لمرافقه، كأن يحصل طفل مصاب بالسرطان على تصريح ويمنع والديه من مرافقته، ويستعاض عنهما بأحد الجدين، وعادة ما يكون الجد بحاجة هو نفسه لمن يرعاه، فيما يحتاج الطفل المريض لدعم والديه النفسي ومراعاة احتياجاته الخاصة. (https://features.gisha.org/غزّة-صورة-عن-الوضع-الحالي/)
ويشير بيان مشترك، صادر عن مركز الميزان لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش وجمعية العون الطبي للفلسطينيين وأطباء من أجل حقوق الإنسان، إلى أن التنقل عبر معبر إيرز في العام 2017، سجل أقل من 1٪ من حجم التنقل المسجل في الفترة نفسها عام 0200. وبأن السلطات الإسرائيلية شددت من سياسة رفض التصاريح، حتى لمن تنطبق عليهم المعايير، ولاسيما التصاريح الممنوحة للمرضى، وفيما منحت تصاريح لما نسبته 92% من الطلبات المقدمة في العام 2012، انخفضت النسبة إلى 88.7% في العام 2013، و82.4% خلال 2014، و77.5% في 2015، و62.07% في العام 2016، و54% في 2017.
ويشير البيان المشار إليه أعلاه إلى تخلف الفلسطينيون من غزة عن (11) ألف موعد طبي على الأقل خلال 2017، بعد أن رفضت السلطات الإسرائيلية طلباتهم، أو لم ترد عليها في الوقت المناسب، أو لم ترد عليها نهائياً، ما تسبب في وفاة (43) فلسطينياً، من بينهم (3) أطفال، و(17) سيدة في العام نفسه. (https://www.hrw.org/ar/news/2018/02/13/314934)
وبلغ عدد من غادروا القطاع في العام 2019 عبر معبر إيرز (14960) شخصاً، بزيادة وصلت إلى 43٪ مقارنة بعام 2018، لينخفض العدد إلى (971) شخصاً، حتى سبتمبر من العام الحالي 2020، بمتوسط انخفاض بلغ 10% تقريباً، وهو أدنى مستوى في ظل القيود الإسرائيلية المشددة على الحركة، وانتشار جائحة كورونا من جهة، ووقف السلطة الفلسطينية التنسيق مع السلطات الإسرائيلية.
ما يجدر ذكره هو أن الحصول على تصريح وإن كان شرطا ضروريا فإنه لا يعطي الشخص ضمانة للخروج من القطاع، فقد تقوم القوات الإسرائيلية المتواجدة عند المعبر باعتقاله أثناء مروره، وقد تسحب التصريح منه، وقد تقوم باستجوابه وإعادته إلى القطاع، وفي أحيان أخرى يجري ابتزازه من قبل قوات الأمن على المعبر، ومقايضته للعمل كمخبر لصالحها أو إعادته إلى القطاع لينتظر موته. جدير بالذكر أن القوات الإسرائيلية اعتقلت (48) شخصاً، منذ العام 2017، وحتى سبتمبر 2020، خلال مرورهم عبر معبر إيرز بعد حصولهم على تصاريح، من بينهم (12) من المرضى ومرافقيهم.
الفصل بين الضفة والقطاع
إن الهدف من وراء سياسة الإغلاق، بالإضافة للتحكم في السكان وإجبارهم على الاعتماد على السلطات الإسرائيلية في كافة تفاصيل حياتهم، هو “الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة” وهو ما ظهر واضحاً في السياسة الرسمية الإسرائيلية لتقويض وحدة الأرض الفلسطينية، بما يحول دون إقامة الدولة الفلسطينية، وبالتالي وأد حل الدولتين نظريةً وعملياً، وتحويل الفلسطينيين من شعب موحد إلى جماعات في القطاع والضفة والقدس.
وفي إطار سعيها للفصل بين الضفة والقطاع، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تواصل السلطات الإسرائيلية حرمان الطلبة في قطاع غزة من الالتحاق بالجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية، ففي سنوات الثمانينات كان طلاب غزة يشكلون حوالي ٣٠٪ من مجموع طلبة الجامعات في الضفة، ليصل العدد الآن إلى صفر طالب، وهو ما يعني شطب خيار الدراسة في جامعات الضفة من وعي الطلبة وأهاليهم في قطاع غزة بشكل كامل لاستحالته.
إن قرار منع طلاب غزة من الالتحاق بجامعات الضفة لا علاقة له بأي مسوغ أمني، بل هو جزء من السياسة الرسمية التي تهدف إلى تعميق الفصل بين المنطقتين. ينسحب الأمر على طلبات جمع شمل الأسر التي جمدتها السلطات الإسرائيلية، للتحكم ديمغرافياً في المنطقة، فأصبح من المستحيل أن يرتبط الفلسطيني في غزة من سيدة في الضفة والعكس صحيح، وفي حالات أخرى لا تستطيع الأسر الالتقاء إلا خارج الأراضي الفلسطينية، إن التقاء سيدة من غزة بزوجها في رام الله لا تستغرق ساعة ونصف في السيارة، ولكنها تضظر، إذا كانت محظوظة ولديها القدرة المالية، للسفر آلاف الكيلو مترات للالتقاء بزوجها خارج الأراضي الفلسطينية، وقد هاجرت واستقرت أعداد من الأسر الفلسطينية في الخارج لهذا السبب.
عقاب جماعي وهجرة بالآلاف
يشكل ما تقوم به السلطات الإسرائيلية عقاباً جماعياً ينتهك أحكام القانون الدولي ولاسيما اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية السكان المدنيين، ويوقع أذىً كبيراً بالسكان المدنيين وممتلكاتهم، وهو ما تسبب فعلياً في تفاقم الأزمة الإنسانية جراء نظام العقوبات والإغلاق المفروض على القطاع، كما تسبب في زيادة نسبة البطالة في وسط مجتمع فتي، (حوالي 60٪ من سكانه دون الثلاثين عاماً)، ووسع من دائرة الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، حيث يعتمد ما يزيد عن 80٪ من عائلات القطاع على المساعدة الإنسانية المقدمة من مؤسسات الإغاثة.
في العام ٢٠١٢ نشرت جريدة هآرتس ملخصاً لما سمي ” وثيقة الخطوط الحمراء”، التي أفصح عنها مكتب المنسق الإسرائيلي الخاص بالأراضي الفلسطينية والتي تم إنجازها في العام 2008. تضمنت الوثيقة حساباً للحد الأدنى من السعرات الحرارية الضرورية للفرد كي لا يصل إلى حالة “النقص في التغذية” نتيجة الحصار. لقد حسبت الوثيقة الحد الأدنى للسعرات الحرارية المطلوبة لكل شريحة عمرية من المواد الغذائية الأساسية التي سمح بإدخالها إلى القطاع، وعدد الشاحنات المطلوبة لنقل هذا الحد الأدنى، والذى جرى حسابه بـ (2279) سعرة حرارية يومياً للفرد الواحد، متضمنة في (1836) غراماً من المواد الغذائية، أي ما يعادل (25755) طناً لكافة سكان القطاع، وهو ما يعني السماح بإدخال عدد من الشاحنات التي تحمل كميات المواد الأساسية لسكان القطاع وفقاً لهذا الحساب فقط. (https://www.haaretz.com/.premium-israel-s-gaza-quota-2-279-calories-a-day-1.5193157)
لقد جعلت هذه السياسة، السرية-المعلنة، والتي ساهم في إعدادها الجيش ووزارة الصحة الإسرائيلية، من حياة السكان أقرب إلى الموت منها إلى الحياة، وأوقعت الأذى في السكان المدنيين، المحميين بموجب قواعد القانون الدولي، وابقتهم تحت تهديد دائم،
كما وتسببت في تدهور مختلف مناحي حياة السكان في غزة، بحيث أبقت أنوفهم فوق الماء، فلاهم قادرون على التنفس ولا بقادرين على السباحة، وربما بدا ذلك واضحاً فيما نشرته وكالة رويترز في 17 أكتوبر من العام 2017، من خلال موقع ويكيليكس الذي سرب برقيات أظهرت أن إسرائيل أبلغت مسؤولين أمريكيين عام 2008، أنها ستبقي اقتصاد غزة على شفا الانهيار، وستتجنب في الوقت نفسه وقوع أزمة إنسانية. (https://www.reuters.com/article/oegtp-gaza-isr-calories-sk5-idARACAE89G07Y20121017)
وتدفع الإجراءات والسياسات التي تتبعها السلطات الإسرائيلية إلى خلق حالة من اليأس والإحباط في وسط الأسر في قطاع غزة، وبالأخص في صفوف الشباب الذين يشكلون القوام الأعظم من السكان، وتدفعهم نحو خيارات متطرفة للتخلص من الواقع الصعب الذي وجدوا أنفسهم فيه، كطلب اللجوء إلى إحدى الدول بحثاً عن مستقبل أفضل، أو الهجرة غير الشرعية وما تنطوي عليه من مخاطر تهدد حياتهم. تشير صحيفة (هآرتس) في تقرير لها حول هجرة الشباب من غزة، أن التقديرات في إسرائيل تفيد بأن حوالي (35000) شاب قد هاجروا من قطاع غزة عبر معبر رفح خلال عام 2018 وحده. (https://www.haaretz.com/middle-east-news/palestinians/.premium-35-000-palestinians-left-gaza-in-2018-hamas-blocking-doctors-from-leaving-1.7254747)
التصاريح البداية والضم ليس آخرها
أعلنت السلطة الفلسطينية بتاريخ 21/5/2020، وقف التنسيق الأمني والمدني مع السلطات الإسرائيلية، كرد فعل على قرار الحكومة الإسرائيلية ضم المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية، لاسيما في منطقة الغور المحاذية للأردن، وتوقفت هيئة الشئون المدنية الفلسطينية عن تلقي أية طلبات من السكان والتي كانت تحولها للسلطات الإسرائيلية، وأوقفت الأخيرة بدورها إصدار التصاريح للسكان، ما فاقم من الأزمة بالنظر إلى حاجة الكثيرين لمغادرة القطاع لأسباب مختلفة كمرضى السرطان الذين لا يتوفر لهم علاج في القطاع، ومرضى آخرين يحتاجون لإجراء جراحات دقيقة لا يمكن إجراؤها وسط تدهور بنية خدمات الرعاية الصحية، وتجدر الإشارة إلى استمرار إغلاق معبر رفح الذي يربط القطاع بمصر في ظل انتشار جائحة كورونا.
وفي تطور لاحق، أعلن منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، عن التوصل لاتفاق مؤقت لخروج المرضى من قطاع غزة من خلال منظمة الصحة العالمية، بحيث تنقل المنظمة الدولية طلبات التصاريح للسلطات الإسرائيلية ضمن نفس الآليات والشروط والمدد الزمنية التي كانت قائمة. إن ذلك الترتيب، وأن كان سوف يخفف عن بعض المرضى وعائلاتهم، لكنه يُبقي مرة أخرى حق الغزيين الأصيل في تلقي العلاج مرهون بيد السلطات الإسرائيلية التي قيدته ولازالت على نحو خطير. (https://twitter.com/nmladenov/status/1302885071729369088)
إن نظام التصاريح نفسه ينطوي على انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، ولاسيما لحق المواطنين بالتنقل والسفر وهي مسئولية تقع على عاتق دولة الاحتلال وليس على أي طرف آخر، فهي التي مارست الولاية على السكان قبل تأسيس السلطة الفلسطينية، وهي التي تمارسها بعد تأسيها، فهي تالياً ملزمة بضمان حقوقهم الأصيلة في التنقل بحرية والوصول إلى العلاج والتعليم والتمتع بحقوق الإنسان في كل الأحوال بصفتها القوة القائمة بالاحتلال.
ولا يجوز للسلطات الإسرائيلية التذرع بوقف التنسيق معها من قبل السلطة الفلسطينية لحرمان المرضى من حقهم في العلاج، فهي القوة المحتلة التي لازالت تتحكم ليس في السجل المدني للسكان فقط، بل وفي حدود وبحر وسماء القطاع، ولا تمتلك السلطة الفلسطينية حق منح تصريح لتنقل أي مواطن من غزة أو إليها، في ظل وجود التنسيق المدني والأمني معها أو في غيابه. ذلك ما يجب أن يدفع المجتمع الدولي لإلزام إسرائيل باحترام قواعد القانون الدولي وضمان حق التنقل للأفراد والبضائع بحرية، وليس في البحث عن آليات وسيطة لن تساهم إلا في إعطاء شرعية لإجراء غير شرعي.
إن نظام التصاريح أسَّس لما نراه اليوم من تفتيت خطير لوحدة الأراضي الفلسطينية وسكانها، والذي عمّقه الجدار العازل الذي أقامته دولة الاحتلال علي الأراضي الفلسطينية، ونظام الحواجز العسكرية الذي أنشأته في الضفة الغربية، وضم القدس وعزلها عن باقي الأراضي المحتلة. إن كل تلك الإجراءات شكلت سياسة رسمية منظمة لتسهيل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، ما يجعل تنفيذ مخطط الضم قائما ومتواصلا ويجد ترجماته على الأرض يومياً.
إن تغييب العدالة والمحاسبة وعدم اتخاذ خطوات فاعلة من قبل الفاعلين، المحليين والاقليميين والدوليين، لوقف الاستيطان والحصار والتفتيت ووقف استخدام التصاريح كأداة للتحكم في السكان والأراضي يُنذر بأن الأسوأ، إنسانيا وقانونيا وسياسيا وأخلاقيا، قادم لامحالة.
رابط المقال ….. http://www.rosaluxemburg.ps/?p=3717&lang=ar
***