بمناسبة اليوم العالمي للطفل
مركز الميزان يصدر تقريراً حول القتل والتجويع بحق أطفال غزة
بمناسبة اليوم العالمي للطفل الموافق 20 نوفمبر 2024، أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان تقريراً ميدانياً حول القتل والتجويع الذي تمارسه قوات الاحتلال بحق المدنيين في قطاع غزة لا سيما الأطفال.
ويشير التقرير إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ بدء جريمة الإبادة الجماعية، تواصل استخدام التجويع كسلاح حرب ضد السكان المدنيين في قطاع غزة. وهذا يتزامن مع استمرار عمليات القصف والتدمير واسعة النطاق لكافة مقومات الحياة، والأعيان المدنية والبنية التحتية وكافة القطاعات الخدماتية الأخرى.
ويشير التقرير إلى أن سلطات الاحتلال تفرض حصاراً مطبقاً وقيوداً مشددة على الحركة والتنقل، بما في ذلك منع وعرقلة عمليات الإغاثة وتزويد السكان بالمواد الغذائية والإمدادات الطبية والمقويات اللازمة للأطفال، خاصة الحليب المخصص للرضاعة.
وتسبب استخدام التجويع كوسيلة حرب إلى وفاة العديد من الأطفال، حيث سجلت وزارة الصحة 38 حالة وفاة بسبب سوء التغذية والجفاف، معظمهم من الرضع الذين لم يتمكنوا من الحصول على الغذاء اللازم بسبب تدهور صحة الأمهات وغياب المساعدات الغذائية الضرورية .
يظهر التقرير جانب من جوانب الإبادة الجماعية التي تنفذها قوات الاحتلال في قطاع غزة، وهو التجويع بشكليه، التجويع المباشر بمنع وصول امدادات الغذاء والدواء إلى قطاع غزة، ونوعية وأنماط المواد الغذائية التي يسمح بدخولها، وكونها مصممة للنيل من صحة وحياة الإنسان على المدى البعيد، فصحيح أن هناك من فقد حياته بسبب الجوع، ولكن الأخطر هو أن هذا النمط الغذائي الذي يستمر للعام الثاني على التوالي يفضي إلى تدمير صحة الإنسان، ولاسيما السيدات الحوامل والمرضعات والأطفال حديثي الولادة وكبار السن والمرضى عموماً، إذ يفتقر الغذاء الذي تسمح قوات الاحتلال بمروره إلى السعرات الحرارية وعدم احتوائه على قدر كاف ومتنوع من الفيتامينات والبروتينات التي يحتاجها جسم الإنسان، ما يفضي على المدى الطويل إلى إضعاف المناعة والإصابة بأمراض قد تنهي حياتهم.
ومع مرور أكثر من عام على جريمة الإبادة الجماعية، يتفاقم تدهور الأوضاع الإنسانية، وأصبح خطر المجاعة وسوء التغذية يهدد حياة ومستقبل سكان قطاع غزة كافة، ولا سيما الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع من المرضى والأطفال والنساء.
ويظهر التجويع البطيء للسكان في قطاع غزة، سياسة ممنهجة تتخذها قوات الاحتلال الإسرائيلي في سياق الإبادة الجماعية من خلال الحصار المشدد والإغلاق المفروض على القطاع، والذي تسبب في تقييد الوصول إلى الموارد الأساسية مثل الغذاء، والماء، والوقود، والكهرباء، ما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية بشكل مستمر وخطير، وهذا التجويع ليس ناتجاً عن نقص الغذاء فقط، بل يتضمن أيضاً تعمد إحداث تدهور في سبل العيش والاقتصاد بشكل عام، وعلى قدرة السكان على شراء الغذاء وتأمين احتياجاتهم الأساسية.
ويظهر التقرير المخاطر المحدقة بصحة الأطفال جراء استمرار جريمة التجويع، حيث يشير إلى أن آثار التجويع ستؤثر على صحة ونمو الأطفال في المستقبل، فسوء التغذية لفترات طويلة يمكن أن يؤدي إلى توقف أو تأخر في النمو الجسدي، مما يسبب قصر القامة أو التقزم (stunting). هذا التأخر قد يكون غير قابل للتصحيح بشكل كامل حتى مع تحسن التغذية لاحقاً. الأطفال الذين يعانون من التقزم غالباً ما يكون لديهم ضعف في نمو العضلات والعظام، مما قد يؤثر على قدراتهم الحركية.
وأن نقص العناصر الغذائية الأساسية، مثل الحديد والزنك وأحماض أوميغا-3 الدهنية، يمكن أن يتسبب في ضعف التطور العقلي وتأخر في اكتساب المهارات اللغوية والمعرفية. الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية غالباً ما يواجهون مشاكل في التعلم والتركيز، مما يؤثر سلبياً على أدائهم المدرسي وقدرتهم على التحصيل الأكاديمي على المدى الطويل.
ويمكن أن يسبب سوء التغذية مشاكل صحية دائمة، مثل فقر الدم المزمن، ضعف جهاز المناعة، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المعدية. ويمكن أن تزيد هذه المشاكل من خطر الإصابة بأمراض غير معدية لاحقاً في الحياة، مثل أمراض القلب والسكري.
ويظهر التقرير أن الأطفال الذين تعرضوا لسوء التغذية لفترات طويلة غالباً ما يكونون أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، مثل الالتهاب الرئوي والإسهال المزمن. حتى بعد تحسن التغذية، قد تبقى لديهم نقاط ضعف في جهاز المناعة. كما يمكن لسوء التغذية المزمن أن يؤثر على التطور الجنسي وقد يؤدي إلى مشاكل في الخصوبة أو تأخر في سن البلوغ.
وفي حالة الفتيات، سوء التغذية خلال فترة الحمل يمكن أن يؤثر لاحقاً على صحة الأطفال، وولادة أطفال ناقصي الوزن أو يعانون من مشاكل نمو.
وفي خاتمة التقرير يحذر مركز الميزان لحقوق الإنسان من ارتفاع مخاطر تعرض المدنيين في قطاع غزة للمجاعة، التي تفشت بالفعل في شمالي القطاع وجنوبه، وتفاقم أزمة الأمن الغذائي نتيجة سياسة التجويع المتواصلة منذ بدء الهجوم العسكري الحالي، وتصاعدت بسبب إغلاق معابر القطاع وتشديد الحصار، وتعمد استهداف قوات الاحتلال منظومة الخدمات الحيوية والبلدية والمستشفيات وإضعاف قدرتها على تقديم الرعاية الصحية، وهو ما يمنع مكافحة المجاعة وسوء التغذية، ويزيد حالات الوفاة بسبب الجوع.
وعليه، يطالب مركز الميزان لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بالتحرك العاجل والفعال لإجبار إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال على وقف جريمة الإبادة الجماعية، واستمرار قتل وتجويع الأطفال، وفرض وقف إطلاق النار في قطاع غزة تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي، وإلزامها بالامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية التي فرضت تدابير مؤقتة لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، بما في ذلك رفع الحصار والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية. كما يطالب المركز بترجمة رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري وتحويله إلى تدابير وإجراءات تتخذها دول العالم كافة لوقف الحرب، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، ووضع حد لحصانة دولة الاحتلال من خلال وقف تزويد إسرائيل بالسلاح والذخيرة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية.
ويشدد مركز الميزان على أن استمرار الحصانة والإفلات من العقاب، شكلا محركاً رئيساً لتصعيد قوات الاحتلال من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وجريمة التمييز والفصل العنصري، وجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها بحق الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية عموماً وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، وعليه يكرر المركز دعواته، التي لم تنقطع، لتحرك المجتمع الدولي ولاسيما الأطراف السامية في اتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية قمع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، كونه واجباً قانونياً تفرضه الاتفاقيتان، وليس فقط كواجب أخلاقي وإنساني.
انتهى