بيان صحفي
بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، رفح تعزل وتدمر مبانيها ويمنع سكانها من العودة إليها
تستمر جرائم قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخلت المرحلة الأولى منه حيز التنفيذ بتاريخ 19 يناير 2025، حيث تواصلت عمليات القصف الجوي وإطلاق النار تجاه المواطنين وممتلكاتهم في مناطق مختلفة من قطاع غزة ما تسبب في استشهاد وإصابة المئات، ومنعت وعرقلت دخول المساعدات الإنسانية وتدفقها، لا سيما الأجهزة الطبية والمعدات اللازمة للمستشفيات، والخيام والمنازل المتنقلة، والآليات اللازمة لإزالة الأنقاض لانتشال جثث الشهداء من تحت المنازل التي دمرت فوق رؤوس ساكنيها، وجعلت المدنيين يواجهون أقسى الظروف الإنسانية في ظل تدمير البنية التحتية وكل مقومات الحياة، بالأخص السكان المهجرين من مدينة رفح الذين تمنعهم قوات الاحتلال من العودة إلى منازلهم حتى الآن، وتواصل تدمير ممتلكاتهم الخاصة والعامة في المدينة.
فبعد إعادة انتشار قوات الاحتلال على حدود مدن قطاع غزة وفقاً للمرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، أبقت على سيطرتها المطلقة وتواجدها العسكري في أغلب مناطق مدينة رفح جنوب قطاع غزة للشهر العاشر على التوالي، وتشير المعلومات الميدانية أنه ومنذ اجتياح رفح في بداية شهر مايو 2024، وسيطرتها على الجانب الفلسطيني من معبر رفح ومحمور صلاح الدين (فيلادلفيا) وباقي مناطق المدينة، لا تزال قوات الاحتلال مستمرة في تدمير البنية التحتية هناك، وتسمع صوت الانفجارات وأصوات الآليات بشكل مستمر في المناطق المحاذية للمدينة، وتمنع عودة السكان إلى أغلب مناطقها، وأغلبية سكانها لا يزالون في أماكن نزوحهم في الخيام وسط قطاع غزة، وفي مواصي خان يونس.
ووفقاً للمعلومات التي جمعها المركز، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تلتزم بالمساحة المعلن عنها وفق اتفاق وقف إطلاق النار، وتواصل التمركز بعمق يزيد عن مسافة كيلو متر داخل أحياء في قلب مدينة رفح وحتى منطقة الكراج الشرقي، وعلى الحدود الفلسطينية – المصرية، جنوباً، وكذلك السياج الشرقي الفاصل، شرقي المدينة، وهي مناطق خطرة يستهدف فيها كل شيء يتحرك بالمدفعية، والقناصة، والقصف الجوي من خلال الطائرات الحربية، والطائرات المسيرة (الكوادكابتر).
وبحسب بلدية رفح، فإن تعداد سكان المدينة (300000) مواطن، لا يزال (200000) مواطن منهم لا يستطيع العودة إلى المدينة، كما لم تتمكن أي جهة من الوصول إلى مناطق عديدة تواصل قوات الاحتلال السيطرة عليها، من بينها منطقة أبو السعيد في حي تل السلطان على طول خط البحر وحتى معبر رفح شرقاً، ومناطق تمتد إلى عمق مدينة رفح مثل دوار العودة والنجمة، وتقدر مساحة المناطق المحظورة والخطرة في مدينة رفح بنسبة (60%) من إجمالي مساحة مدينة رفح البالغة حوالي (60000) دونماً.
في حين تجاوزت نسبة الدمار بشكل كلي وجزئي (90%) من مختلف أحياء مدينة رفح، وطالت البنية التحتية والمنازل السكنية، والطرق والمرافق العامة الخدماتية والحكومية، والصحية والاقتصادية، وتركز التدمير في الأحياء الجنوبية والغربية للمدينة، حيث مسحت (6) أحياء كاملة من أصل (15) حياً؛ و(5) مخيمات للاجئين، بالإضافة إلى تدمير(9) مراكز طبية من بينها مستشفى أبو يوسف النجار بشكل كلي، وهو المستشفى الحكومي الوحيد في المدينة، والمستشفى الأهلي الكويتي، والمستشفى الإندونيسي الميداني، ودمر حوالي (70%) من مضخات شبكات الصرف الصحي والمياه، ولحق دمار شبه كامل بشبكات الكهرباء والاتصالات. وتقدر كمية الركام والأنقاض في المدينة بحوالي (20000000) طن، ويرجح بأن عدداً كبيراً من الضحايا لا يزالون تحت الانقاض في تلك المناطق.
وفقاً لوزارة الصحة في غزة، قتلت قوات الاحتلال (111) مواطناً، وأصابت (916) آخرين، منذ سريان وقف إطلاق النار، وبحسب بلدية رفح، فإن حوالي (40%) من هؤلاء الشهداء والجرحى سقطوا في مدينة رفح خلال محاولتهم تفقد منازلهم وأراضيهم الزراعية، وكان آخرها استشهاد السيدة هناء توفيق سليمان حسنين (الغوطي)، بتاريخ 21/2/2025، عندما أطلقت دبابة النار تجاه منزلها في حي الجنينة خلف برج عوض، شرق مدينة رفح بعد أن عادت إليه.
وحول محاولة العودة لمنزله في رفح، أفاد السيد محمد حسن أبو سلطان 35 عاماً، متزوج وأب لطفلين:
أجبرنا على النزوح أنا وعائلتي إلى مدينة دير البلح في بداية شهر مايو من عام 2024، ثم انتقلنا إلى منطقة مواصي خان يونس، عانيت مع عائلتي من ظروف الحياة في الخيمة وقلة الموارد، وكنا ننتظر إعلان وقف إطلاق النار وانسحاب قوات الاحتلال من مدينة رفح للعودة إلى منازلنا، وبعد إعلان وقف إطلاق النار بتاريخ 19 يناير 2025، شعرت بالسعادة أنا وأسرتي، كنت أعتقد بأني سأعود إلى منزلنا وأن معاناة الإقامة في خيمة ستنتهي، ولكن فوجئت في اليوم التالي بأن قوات الاحتلال لم تنسحب من جميع المناطق في رفح، وبعد عدة أيام ذهبت لتفقد منزلنا في حي الجنينة، وعند وصولي إلى رفح فوجئت بحجم الدمار الهائل في المباني والشوارع، وقبل وصولي إلى منطقة الجنينة تعرضت لإطلاق نار أنا وعدد من الأشخاص الذين كانوا في طريقهم لتفقد منازلهم في المنطقة، هربت من المنطقة دون التمكن من الوصول إلى منزلنا، وتبين في وقت لاحق بأن إطلاق النار مصدره رافعة تابعة لقوات الاحتلال في الجهة الجنوبية من منطقة الجنينة، وبأن هناك عدد من الدبابات تتمركز فوق تلال رملية شرق المنطقة، وبشكل يومي أسمع عن اصابة او استشهاد مواطنين خلال تفقدهم لمنازلهم في رفح، أنا وحتى هذه اللحظة أعيش في الخيمة في مواصي خان يونس، وأعاني من ظروف الحياة الصعبة مع شدة البرودة وقلة الإمكانيات، وانتظر انسحاب قوات الاحتلال من مدينة رفح للعودة إلى منزلي وإن كان مدمر.
وفي نفس السياق، أفاد المواطن محمد مهدي موسى الداوودي 38 عاماً، متزوج وأب لأربعة أبناء، حول محاولة عودته إلى منزله في مدينة رفح بعد سريان وقف إطلاق النار:
بتاريخ 28/5/2024، أجبرت على النزوح من منزلنا الكائن في حي تل السلطان في رفح، كباقي الجيران وأفراد عائلتي نتيجة تصاعد القصف الصاروخي والمدفعي تجاه المنطقة ومع تقدم قوات الاحتلال الإسرائيلي في مناطق مختلفة شرق مدينة رفح، توجهت إلى مواصي خان يونس وأقمت خيمة صغيرة، عانيت أنا وعائلتي من ظروف النزوح وصعوبة الحياة كنا نمضي الأيام وننتظر العودة إلى منازلنا، وبعد أشهر من الانتظار والمعاناة، وبعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بتاريخ 19/1/2025، توجهت إلى حي تل السلطان في رفح للاطمئنان على بيوتنا، وكنت أشعر بالسعادة لانتهاء الحرب وانتهاء معاناة النزوح، وعند وصولي إلى المنطقة صدمت من هول ما شاهدته من دمار حيث تحولت أحياء كاملة إلى أكوام من الركام، وخلال تفقدي للمنطقة، أطلقت قوات الاحتلال الاسرائيلي المتمركزة في منطقة فيلادلفيا ( الحدود المصرية – الفلسطينية) النار تجاهانا بشكل كثيف، هربت من المنطقة وعدت إلى مواصي خان يونس، وعلمت لاحقاً أن العدد الأكبر من سكان رفح لا يمكنهم الوصول إلى مناطق سكنهم نتيجة إطلاق النار وتمركز قوات الاحتلال في الأجزاء الشرقية والجنوبية من مدينة رفح.، وأن هناك عدد من الشهداء يسقطون عند تفقد منازلهم، ولا زلت حتى الآن أقيم في خيمة في مواصي خان يونس وأعاني من ظروف النزوح والحياة في ظل البرد الشديد، وانتظر انسحاب قوات الاحتلال بشكل كامل من رفح للعودة إلى منطقة سكني.
وحتى وقت إعداد هذا البيان، تواصل قوات الاحتلال سيطرتها على أغلب مناطق مدينة رفح، وتواصل اعتداءاتها بإطلاق النار والهجمات الحربية على السكان لا سيما ممن يقترب من مكان سكنه، وحولتها إلى مدينة موت، وتستمر في عمليات نسف وتدمير المنازل والبنية التحتية لا سيما في منطقة العودة وتل السلطان، في محاولة لتغيير جغرافيا المدينة وجعلها غير قابلة لاستقبال سكانها.
إن ما يحدث من فظائع على الأرض، لا سيما مصادرة مدينة بأكملها، وتغيير معالمها، والاستمرار في تهجير سكانها، تتطلب تدخلاً عاجلاً وفاعلاً يرتقي ومستوى الجرائم المرتكبة، وعليه، يدين مركز الميزان لحقوق الإنسان بشدة استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلي في جرائمها في سياق حرب الإبادة الجماعية التي تنفذها في قطاع غزة، لا سيما قي مدينة رفح جنوب القطاع، وسياسة التدمير الممنهج لكل للمرافق العامة والأحياء السكنية والمستشفيات وغيرها من المرافق التي لا غنى عتها وحياة السكان، كالمستشفيات ومصادر المياه والغذاء، وعمليات القتل التي تمارسها بحق المدنيين المهجرين الذين يسعون للعودة إلى منازلهم.
ويطالب المركز المجتمع الدولي باتخاذ التدابير العاجلة الفعلية لوقف الإبادة الجماعية، وإيقاف عملية التدمير الممنهج لمدينة رفح، وإتاحة الفرصة أمام السكان للعودة إلى مناطق سكناهم، واتخاذ إجراءات حاسمة ضد مرتكبي الإبادة، ودعم المحكمة الجنائية الدولية، وغيرها من جهود المساءلة، ووقف المساعدات العسكرية وتوريدها، ومراجعة الاتفاقيات الثنائية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وتفكيك الاحتلال غير القانوني، ودعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيرة.