الجوع يشتد في غزة ويفتك بالسكان … مركز الميزان يوجه نداءً عاجلاً لإنقاذ حياة المدنيين ووقف الكارثة الإنسانية
الجوع يشتد في غزة ويفتك بالسكان
مركز الميزان يوجه نداءً عاجلاً لإنقاذ حياة المدنيين ووقف الكارثة الإنسانية
يحذر مركز الميزان لحقوق الإنسان المجتمع الدولي من تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، حيث بلغ الجوع مراحل مفجعة تهدد حياة أكثر من مليوني إنسان، في ظل الحصار الإسرائيلي المشدد والإغلاق التام للمعابر، ومنع دخول المساعدات الإنسانية لا سيما إمدادات الغذاء والدواء للشهر الثاني على التوالي، واستهداف مصادر الغذاء في قطاع غزة، في سياسة ممنهجة تنتهك أبسط قواعد القانون الدولي الإنساني ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان.
فمنذ الثاني من شهر آذار/ مارس 2025، تستمر دولة الاحتلال بمنع دخول المساعدات الطبية والغذائية لقطاع غزة بشكل كامل، وتعمق معاناة الفلسطينيين الناتج عن النقص الحاد والخطير في الأدوية والأغذية في سياق سياسة التجويع والتعطيش واستخدامها كسلاح ضد المدنيين الفلسطينيين، وهي سياسة قديمة متبعة وغير مسبوقة، امتدت لحوالي 17 عاماً قبل أكتوبر2023، وكانت إسرائيل خلالها تحسب الحد الأدنى لاستهلاك سكان القطاع من السعرات الحرارية للبقاء على قيد الحياة، إلا أنها وفي ظل حرب الإبادة التي تباشرها، تهدف إلى إيقاع الأذى الجسدي والنفسي البليغ في صفوف المدنيين.
وفي الوقت نفسه تواصل هجماتها الحربية على مختلف مناطق القطاع، والتي طالت مصادر الغذاء كمخازن الأغذية، والمطابخ، والأراضي الزراعية، وتدمر المحاصيل الزراعية على محدوديتها، التي زرعها أصحابها خلال فترة وقف إطلاق النار، وتمنع المزارعين من الوصول إليها، كما تستهدف صيادي الأسماك على شاطئ البحر، وتقضي على جهود المنظمات الإغاثية الدولية، وقتلت العشرات من العاملين فيها.
وتسببت هذا الحصار المشدد بفقدان مختلف السلع والمواد الغذائية من الأسواق، وما تبقى منها ارتفعت أسعاره بشكل جنوني، إذ ارتفع سعر كيس الدقيق 25 كيلو جرام من 5 دولار للكيس الواحد إلى 140 دولاراً، وسط صعوبة إيجاده، كما ارتفعت أسعار الأرز من دولار واحد للكيلو الواحد إلى 10 دولار، وزيت الطهي من دولار ونصف للتر الواحد إلى 7 دولار، في حين نفدت تماماً بعض المواد الغذائية الأخرى كاللحوم والبيض وبعض أنواع الخضراوات، وأصبح المتوفر منها لا يستطيع أغلب السكان شراءه، ووصل كيلو الطماطم إلى 15 دولاراً، وكيلو البصل إلى 8 دولارات، وأصبح عموم السكان يعتمدون على ما تقدمه المطابخ المدعومة من المنظمات الإغاثية الدولية، والتي في غالبها تكون عبارة عن كميات قليلة من العدس والأرز المطبوخ.
(س. ع) 45 عاماً، أعمل في صيد الأسماك من خلال الشباك على ساحل شاطئ مدينة دير البلح في المحافظة الوسطى، أحمل شبكتي بين يدي وأسير على قدمي مسافة 15 متراً إلى داخل الشاطئ، ومعي بعض الصيادين الآخرين، أوفق في بعض الأحيان في اصطياد كميات قليلة من السمك، آكل منها وأطعم أسرتي في ظل عدم توفر السلع الغذائية وغلاء ثمن ما هو متوفر في السوق، ولكن الزوارق الحربية تطلق النار صوبنا كل يوم، في كثير من الأحيان لا نستطيع الصيد، مع أننا نصطاد على الشط، رأيت زملاء لي يقتلون ويصابون، حتى أصبحت خائفاً من الاستمرار في الصيد، وفي الوقت نفسه، أخاف من الجوع، لا أعرف ما العمل.
وفي هذا السياق، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الجمعة الموافق 25/4/2025، عن نفاد جميع مخزوناته الغذائية المخصصة للأسر في قطاع غزة، وأنه سلم آخر مخزوناته الغذائية إلى مطابخ الوجبات الساخنة في غزة، التي كانت تمثل مصدراً حيوياً للمساعدات الغذائية لسكان القطاع، في حين تتكدس أكثر من 116 ألف طن متري من المساعدات الغذائية في ممرات المساعدات، وهي تكفي لإطعام مليون شخص لمدة تصل إلى أربعة أشهر، لكنها تنتظر سماح السلطات بإدخالها إلى قطاع غزة.
وتمنع إسرائيل دخول الإمدادات الطبية إلى قطاع غزة بالتوازي مع منع إمدادات الغذاء، ما يعمق من أزمة الجوع، وبالتحديد علاج حالات سوء التغذية بالمحاليل الطبية والفيتامينات، وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن أطفال قطاع غزة في أشد مراحل سوء التغذية وتصعب متابعتهم طبياً بسبب نقص الأدوية العلاجية وحليب الأطفال، كما تنعدم التغذية المناسبة والأدوية للأمهات الحوامل ينعكس بشكل خطير على المواليد خاصة الأطفال الخدج، وأن القطاع يمر في المرحلة الخامسة من مراحل سوء التغذية وهي المرحلة الأشد وفق منظمة الصحة العالمية، و60.000 طفل يعانون من سوء التغذية. ومع انعدام مصادر التغذية السليمة ومياه الشرب الصالحة، ترتفع المخاطر على حياة 602 ألف طفل في قطاع غزة يتهددهم خطر الإصابة بشلل الأطفال، في الوقت الذي تمنع فيه إسرائيل إدخال التطعيمات اللازمة للوقاية من مرض شلل الأطفال.
(ر.ن) من سكان مدينة غزة، أفاد المركز بالتالي: أصبح ابني ذو ال 10 أعوام شاحب اللون، لا يقوى على الحركة، ارتفعت حرارته ليلاً، كنت أعتقد أنها نزلة برد، ولكن استمر على هذا الحال لثلاثة أيام، توجهت به إلى مستشفى الشفاء، وهناك أخبروني بأنه يعاني من سوء التغذية، ونصحوني بتقديم وجبات متنوعة له قدر الإمكان، منذ شهر تقريباً ونحن نعتمد على ما تقدمه المطباخ الخيرية (التكية)، وهي لا تقدم سوى الأرز أو العدس، لا يوجد دخل لي لأشتري له الغذاء المناسب، وحتى إن توفرت النقود فهي غير موجودة وإذا وجدت أسعارها خيالية، اقترضت من أحد أقاربي بعض المال، واشتريت له 2 كيلو من الخضار بمبلغ 130 شيكل، ووضعناها له وحده، كل يوم نقدم له صحن من الخضار في محاولة لتغذيته، أخاف عليه، وعلى اخوته الثلاثة الآخرين.
ويزيد عدم القدرة على توفير الغذاء بالنسبة للسكان، مصحوباً مع نقص المياه النظيفة، من تفاقم أخطار سوء التغذية الحاد وتفاقم أزمة الجوع في غزة، وقد وثق المركز شهادات ميدانية وتقارير صادرة عن منظمات دولية تؤكد دخول آلاف الأسر في حالة انعدام الأمن الغذائي الحاد، وسط ارتفاع معدلات سوء التغذية، لا سيما بين الأطفال والنساء وكبار السن، وغياب تام لأي أفق لتدارك الكارثة وسط استمرار إسرائيل في سياستها الممنهجة واستخدامها للتجويع كسلاح، وفي هذا السياق صرح مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان أ. عصام يونس:
“إن الوضع الإنساني أصبح أكثر كارثية وأصعب من أن يوصف، حيث تطال جريمة التجويع والتعطيش كل مكونات المجتمع ولا سيما الأطفال والمرضعات والحوامل والمرضى وكبار السن، وأصبحت جريمة التجويع والتعطيش تستخدم كأداة تفاوضية، في سياق استمرار الإبادة الجماعية على القطاع، إن ذلك هو حكم بالموت الحقيقي على المدنيين وليس فقط ما يترك من كوارث إنسانية، إن الحياد يعني الانخراط في هذه الجرائم، لقد أصبح الوقت يحسب بجثث الاطفال، بحبة الدواء، ورغيف الخبز، وشربة الماء، إن العالم مطالب قانونياً وأخلاقياً لوقف هذه الإبادة فوراً وإعمال آليات المحاسبة والعدالة.”
مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يدين بأشد العبارات سياسة التجويع المنظمة التي تتبعها إسرائيل بحق المدنيين في قطاع غزة، واستخدام الغذاء والدواء كسلاح، وحرمان المدنيين من الحق في الحياة والصحة والغذاء، فإنه يؤكد في الوقت ذاته على أن هذه السياسة تمثل جريمة حرب وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تستوجب التحرك الدولي الفوري والفاعل.
وعليه، يطالب المركز المجتمع الدولي، لا سيما الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف الرابعة، بتحمل مسؤولياتهم القانونية والتدخل الفوري والعاجل لوقف الإبادة الجماعية، والضغط على إسرائيل لإنهاء الحصار وفتح المعابر بشكل فوري ودائم. ويطالب المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق فوري في الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في غزة، وعلى رأسها استخدام الجوع كسلاح ضد السكان.
ويؤكد المركز على أن صمت العالم أمام ما يجري في غزة يرقى إلى حد التواطؤ، وإن إنقاذ الأرواح لم يعد خياراً، بل واجباً قانونياً وأخلاقياً.