إسرائيل تصعد من هجماتها الحربية وتفاقم الكارثة الإنسانية وتقضي على كل فرص النجاة في غزة
مركز الميزان يدين بأشد العبارات استمرار حرب الإبادة الجماعية ويطالب بتدخل دولي حقيقي وفاعل
يدين مركز الميزان لحقوق الإنسان بأشد العبارات تصاعد هجمات قوات الاحتلال الإسرائيلي الحربية ضد السكان المدنيين في قطاع غزة في سياق ممارستها لحرب الإبادة الجماعية للشهر العشرين على التوالي، من خلال الاستهداف المتعمد والموسع للمدنيين، وتدمير المنازل فوق رؤوس أصحابها، وقصف مراكز الإيواء والمرافق الحيوية ومخيمات النازحين، وتجمعات منتظري المساعدات الإنسانية، وسط أوامر الإخلاء المتكررة، واستمرار استخدامها لسياسة التجويع والتعطيش كسلاح، ومنع وصول الجرحى والمرضى للعلاج، في ظل انهيار كامل للبنية التحتية، وانعدام الخدمات الأساسية، بهدف إيقاع أكبر الخسائر في صفوف السكان، وفرض واقع يفضي إلى تدميرهم كلياً أو جزئياً.
حيث تصاعدت عمليات القصف المركز لتجمعات المدنيين داخل الأحياء السكنية خلال الأسبوع الماضي، وبالتحديد منذ تاريخ 25/5/2025، وتسبب عمليات الاستهداف المباشر للمدنيين في منازلهم وفي مراكز الإيواء والخيام إلى وقوع مجازر مروعة وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، وقتلت عائلات بأكملها، كعائلة نصر 10 شهداء، والعربيد 9 شهداء، عبد ربه 17 شهيداً، ودردونة 7 شهداء، والخضري 7 شهداء، وعدد آخر من العائلات. وتعمدت استهداف مراكز الإيواء، كاستهداف مدرسة فهمي الجرجاوي في حي الدرج بمدينة غزة والتي نتج عنها سقوط 31 شهيداً وعشرات الجرحى، وبناية قيد الإنشاء تؤوي مجموعة من النازحين في حي الرمال غرب مدينة غزة ما تسبب في استشهاد 6 مواطنين.
ولاحقت المهجرين قسراً، واستهدفتهم في خيامهم، في مواصي خان يونس، حيث سقط في حادث واحد لاستهداف مجموعة من خيام النازحين 13 شهيداً، وفي شارع خمسة في المحافظة نفسها، استهدفت مجموعة من الخيام نتج عنها سقوط 4 شهداء. وتعمدت استهداف جموع المواطنين بالقصف، لا سيما منتظري المساعدات الإنسانية، كسوق الشجاعية، ومخبز أبو اسكندر في شارع الجلاء، ونقطة لشحن الهواتف في جباليا، ونتج عنها عشرات الشهداء والمصابين. وفي حادثة أشد قسوة، استهدفت بإطلاق النار صباح أمس الأحد حشود المدنيين المتضورين جوعاً الذين تجمعوا بحثاً عن الغذاء عند نقطة توزيع المساعدات الإسرائيلية الأمريكية عند منطقة العلم غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة، ومحور نتساريم وسط القطاع، ما أسفر عن استشهاد 31 مدنياً، وإصابة أكثر من 170 آخرين.
وحول حادث مجزرة منتظري المساعدات في رفح، أفاد (أ.ز) 38 عاماً، ويعيل أسرة كبيرة مكونة 20 شخص، أغلبهم من الأطفال: لم نتلقى أي نوع من المساعدات منذ فترة طويلة بسبب إغلاق المعابر، ونفذ مخزون الطعام لدينا، …، لم يكن أمامي إلا الذهاب إلى منطقة المساعدات الأمريكية لإحضار الطعام للأطفال، وتوجهت يوم السبت الموافق 31/5/2025 الساعة الواحدة مساءً من شمال القطاع إلى مدينة خان يونس، وعند حوالي الساعة 2 من فجر يوم الأحد الموافق 1/6/2025، توجهت من جامعة الأقصى من مدينة خان يونس نحو مدينة رفح سيراً على الأقدام، ورأيت في الطريق عدداً كبيراً من المواطنين من بينهم أطفال ونساء وكبار سن متجهين إلى نقطة توزيع المساعدات في رفح، وفي منتصف الطريق تقريباً، أطلقت الآليات العسكرية الإسرائيلية النار تجاهنا، وهربنا خلف بعض السواتر الترابية، وأصيب عدد كبير من الناس من إطلاق النار، استمر إطلاق النار لحوالي نصف ساعة، بعدها واصلنا سيرنا، وبعد وقت قصير، حدث إطلاق نار آخر تجاهنا من الزوارق الحربية والآليات العسكرية والطائرات المسيرة، لم نكن نعرف أين نهرب، ونمنا على الأرض ثم اتجهنا نحو شاطئ البحر، ورأيت ثلاثة نساء أمامي يصابون ويسقطون على الأرض، بعدها توقف إطلاق النار قليلاً، كانت الساعة وقتها تقريباً 5:30 صباحاً، ذهبت لتفقد المصابين، ورأيت بعيني حوالي 25 شخصاً ملقون على الأرض مضرجين بدمائهم وبدون حراك، ومنهم من كان مصاب في الرأس، … ولم أحصل على شيء من المساعدات كذلك أغلب الناس، وعدت مشياً على الأقدام إلى خان يونس، ثم رجعت في اليوم نفسه إلى شمال القطاع، وكان الأطفال ينتظروني بفارغ الصبر وهم يتضورون جوعاً.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية فإن حصيلة الشهداء والاصابات ودون احتساب أرقام الضحايا ممن وصلوا لمستشفيات شمال قطاع غزة بسبب صعوبة التواصل، بلغت منذ تاريخ 25/5/2025، وحتى اليوم (402) شهيداً، و(1597) مصاباً، ويشير العدد الكبير للضحايا خلال عدة أيام، بأن قوات الاحتلال اتخذت من سياسة القتل الجماعي أداة لتنفيذ جريمة الإبادة الجماعية.
في حين ارتفعت أعداد الضحايا منذ استئناف إسرائيل لهجماتها الحربية على قطاع غزة منذ 18 مارس 2025 إلى (4,149) شهيداً، و(12,149) مصاباً، وبلغ مجموع أعداد الشهداء والمصابين منذ بدء حرب الإبادة الجماعية في أكتوبر 2023، وحتى الآن (54,418) شهيداً، و(124,190) مصاباً، 70% منهم من النساء والأطفال.
وتترافق الهجمات الحربية على قطاع غزة، مع أوامر إخلاء جديدة تطلقها قوات الاحتلال في مناطق مختلفة من قطاع غزة،[1] وتدفع بالسكان للهرب من عمليات القصف المباشر، إلى النزوح في ظروف غير إنسانية وسط حالة من الهلع، ويلجئون إلى مناطق يدعى أنها إنسانية، ويواجهون ظروفاً قاسية نتيجة إجبارهم على إخلاء مساكنهم والنزوح إلى مناطق لا يتوفر فيها الحد الأدنى من المقومات الأساسية للحياة، ويترافق ذلك مع تدهور في مكونات البيئة وارتفاع معدلات التلوث وانتشار الأوبئة، ونقص المياه الصالحة للاستخدام ومياه الشرب والغذاء.
(م.خ)، متزوج ولديه أربعة أبناء، من سكان منطقة الأمريكية ببلدة بيت لاهيا ونازح حالياً بخيمة في منطقة دوار أبو مازن بحي تل الهوى وسط مدينة غزة، يقول: هذه المرة 16 التي أنزح فيها وأغير مكان خيمتي منذ بدء العدوان على غزة، نحن نهرب من مكان لآخر بحثاً عن الأمان ولا نجده، ونسمع على مدار الساعة أصوات القصف والانفجارات التي تكون أحياناً قريبةً منا و ننجو منها بأعجوبة، فالخيمة لا تقي الشظايا والحجارة الناتجة عن القصف بالصواريخ الكبيرة التي يلقيها جيش الاحتلال، وأعاني أنا وأسرتي من ظروف العيش في خيمة، فحياه الخيم عبارة عن جحيم، لا سيما انتشار القاذورات في محيطها، وغياب وسائل النظافة الشخصية، ودرجات الحرارة العالية في الصيف، والبرد القاسي في الشتاء، وروائح الدخان المنبعث من إشعال الحطب والبلاستك، فهي بيئة غير صحية وتصيب بالمرض، ونعاني من قلة المياه الصالحة للشرب بعد توقف عدد كبير من المؤسسات عن تقديم المياه الصالحة للشرب لنا في المنطقة، ونعاني أيضاً من مشكلة الحشرات والقوارض التي لا ننام بسببها ونخاف أن تنقل لنا الأمراض، نطالب العالم بالنظر لنا بعين الرحمة.
وبشكل ممنهج تحرم قوات الاحتلال سكان القطاع من الغذاء والدواء والمياه، حيث تواصل إسرائيل إغلاق معابر قطاع غزة، وتمنع دخول الإمدادات الإغاثية والمساعدات الإنسانية، ما تسبب في عدم توافر المواد الغذائية الأساسية في الأسواق، كالسكر وزيت الطهي والأرز واللحوم بمختلف أنواعها، وارتفعت بشكل حاد أسعار الدقيق، وهو أحد أهم مصادر الغذاء اليومية لكل الأسر، التي بلغت أسعاره في حال إيجاده 20 دولاراً للكيلو الواحد، وتسبب ذلك في تفشي الجوع وظهور أعراض سوء التغذية، بالأخص بين الأطفال والمرضى وكبار السن، وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية فإن (58) طفلاً توفوا بسبب سوء التغذية منذ بدء حرب الإبادة الجماعية. كما يعاني السكان أزمة مياه حادة، لا سيما المياه الصالحة للشرب ما يزيد من تفاقم أخطار سوء التغذية الحاد وتفاقم أزمة الجوع والعطش في غزة.
أفاد السيد كرم سعد الله حمودة، 36 عاماً، متزوج، ولديه خمسة أطفال، وزوجته حامل بالطفل السادس، حول الجوع الذي يعاني منه هو وأسرته: أكبر أطفالي عمره 12 سنة، وأصغرهم عمره 3 سنوات، أعيش أنا وأسرني في خيمة أمام ركام منزلنا المدمر في مدينة خان يونس، كنت أعمل داخل الأراضي المحتلة، ولكن بعد أن بدأت الحرب أصبحت بلا عمل، كنا نحصل على الطعام من بعض الجمعيات والمطابخ الخيرية (التكيات)، وبعد توقفها قبل حوالي شهرين، لا نجد شيئًا نأكله، لم يعد هناك خبز، ولا خضار، ولا مال لشراء الطعام إن توفر في السوق، فأسعاره غالية جداً، منذ أكثر من شهر لم نأكل أنا وأطفالي الخبز، ونتناول وجبة واحدة في اليوم، وغالباً ما تكون كمية قليلة من الحبوب أقسمها على أطفالي، أحصل عليها من فاعلي الخير، وأيام أخرى لا نحصل على شيء، كحال أغلب الناس، الآن أصبح يظهر على أطفالي علامات الجوع بوضوح، فأجسامهم أصبحت ضعيفة، ونحيفة جداً، ووجوههم شاحبة، ينامون وهم جائعون، ويستيقظون وهم جائعون، بطونهم تؤلمهم، وأنا لا أستطيع أن أفعل شيئاَ، أشعر بالعجز والخوف عليهم، لا نعرف إلى متى سنصمد، ولا متى سينتهي هذا الألم.
وتستمر قوات الاحتلال في منع مرور الأدوية والمهمات والوفود الطبية، وتفاقم من الأزمة الصحية بشكل خطير، لا سيما بالنسبة للجرحى والمرضى من الحالات الصحية الحرجة، ويعاني القطاع نقصاً حاداً في الأدوية التي تستخدم بشكل يومي، وانهياراً للخدمات الطبية المقدمة، خاصة لمرضى الأمراض المزمنة ومرضى السرطان، ويترافق ذلك مع استهداف مستمر وممنهج للمنظومة الصحية لا سيما المستشفيات والنقاط الطبية، ما يتهدد حياة آلاف المرضى والجرحى، ويعرضهم لمضاعفات خطيرة قد تفضي إلى وفاتهم. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فقد توقفت خدمة العلاج الكيماوي الوريدي، وخدمات المتابعة الطبية لمرضى السرطان في قطاع غزة، وأصبح حوالي (11,000) مريض سرطان بدون علاج ورعاية صحية، و(64%) من أدوية السرطان أصبح رصيدها صفراً، و(5000) مريض سرطان حاصلين على تحويلة عاجلة للعلاج بالخارج لم يتمكنوا من السفر لتلقي العلاج.
(إ.ح) 47 عاماً، متزوجة وأم لستة أبناء، مصابة بأمراض القلب وانسداد الشرايين، تقول حول وضعها الصحي: نزحنا إلى مواصي خان يونس في خيمة صغيرة مهترئة على الرمال، وأنا مريضة ولا استطيع أن مارس حياتي الطبيعة في خيمة، أعاني من عدم توفر الدواء، وخاصة دواء اسمه “فلزان” للقلب، يحاول زوجي كل فترة أن يذهب إلى عيادة أنيرة لأنها تمنح الدواء بشكل مجاني، ويعود زوجي من دونه، وهو غير متوفرفي أغلب الأوقات، وأصبحت أعاني من ضغط نفسي، وأعيش دائماً في قلق وعصبيتي ازدادت، ولم أعد أستطيع تحمل الضغوطات، وأخاف أن أبقى من دون دواء وأن يؤثر ذلك على صحتي أكثر، أتمنى أن أصحو من النوم لأجد نفسي أعيش في بيتي بدل الخيمة، وأن أستطيع توفير دوائي بانتظام لكي أستمر في الحياة وأرعى أطفالي.
وتعاني الأسر والطلاب على حد سواء من انقطاع الدراسة، حيث تحول الأوضاع المأساوية التي يعيشونها من نزوح وقصف وتدمير، ونقص في المواد الغذائية والدواء والمياه، وانقطاع الكهرباء والإنترنت وكل وسائل العيش الآدمي دون مواصلة الطلبة تعليمهم، حتى من خلال التعليم عن بعد، في حين يحرم طلبة الثانوية العامة من مواليد عام 2006، التقدم لامتحانات الثانوية العامة للعام الثاني على التوالي، بسبب سوء الأوضاع الأمنية والمعيشية، حيث أعلنت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية صباح اليوم الاثنين الموافق 2/6/2025، أنه وبسبب الظروف الحالية من قتل ودمار وحصار ما زالت تحول دون عقد الامتحان بالنسبة للطلبة الموجودين في قطاع غزة، وبذلك يتهدد مستقبل جيل بأكمله ويحرم من فرص التعليم والحياة الكريمة، ويلقي بمزيد من الضغط على الأسر والطلاب.
مركز الميزان لحقوق الإنسان، يدين بشدة تصاعد عمليات القتل الجماعي التي تقوم بها إسرائيل من خلال الهجمات الحربية والقصف المباشر والمكثف بشكل متصاعد تجاه المدنيين، ومن خلال منع دخول الدواء والغذاء والوقود، واستمرار استخدام التجويع والتعطيش كسلاح، ونشر المجاعة في صفوف السكان، بسبب استمرار إغلاق المعابر وتشديد الحصار، ما يتهدد حياة أكثر من 2 مليون فلسطيني بالموت الفعلي.
ويرى المركز أن استمرار دولة الاحتلال في حرب الإبادة الجماعية، والشروع في الآلية الجديدة الأمريكية الإسرائيلية، لتوزيع المساعدات في مناطق محددة من قطاع غزة، تأتي في سياق تحقيق أهدافها في إلحاق الأذى البالغ بالمدنيين سواء بالقتل المباشر والإصابة، كما حدث في منطقة رفح ونتساريم في المنطقة الوسطى، أو تكبيدهم المعاناة المضاعفة والحط من كرامتهم الإنسانية، لخلق واقع تصعب فيه الحياة، واستكمالاً لمخططاتها في تهجير سكان القطاع، في تنكر كامل لكل القرارات والمعاهدات الدولية، ومعايير العمل الإنساني، لا سيما قرار محكمة العدل الدولية بشأن التدابير الاحترازية بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية بما يضمن سلامة وأمن السكان الفلسطينيين، وهو ما تترجمه إسرائيل بمزيد من الجرائم ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
وعليه، يجدد المركز مطالبته للمجتمع الدولي بضرورة التدخل الفوري لإجبار دولة الاحتلال على وقف جريمة الإبادة الجماعية، وفرض وقف إطلاق النار، والإقلاع عن استخدام سياسة العقاب الجماعي والتجويع كسلاح، والعمل على حفظ أرواح المدنيين في قطاع غزة من خلال رفع الحصار وضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية بأقصى حد، وتفعيل آليات المساءلة والمحاسبة، لضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب، وتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية بحق نتنياهو وجالانت، فيما يتعلق بالتجويع واستخدامه كسلاح في الإبادة بحق المدنيين.
———————————————————-
[1]تفيد المعلومات بأن ما يزيد عن 1.7 مليون مهجر داخلياً في قطاع غزة