مناشدة عاجلة
الميزان يطالب بإنقاذ ما تبقى من خدمات صحية في غزة
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي تصعيد هجماتها على الخدمات الصحية ومرافقها في قطاع غزة، في تعمد للقضاء على ما تبقى منها. حيث تهاجم الأجزاء المتبقية من المستشفيات ومحيطها وعلى الطواقم الطبية وفرق الإسعاف. كما تعرقل وصول الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود اللازم لتشغيل مولدات الطاقة، وتستمر في منع خروج المرضى والجرحى لتلقي العلاج المناسب خارج القطاع، فيما تصعد من هجماتها الحربية واسعة النطاق على المدنيين، وتصدر أوامر الإخلاء المتكررة، والتي نجم عنها إخراج مستشفيات مركزية عن الخدمة، مما قوض من خدمات الرعاية الصحية، وباتت تقدم الحد الأدنى من خدماتها.
وتشير المعلومات التي جمعها مركز الميزان لحقوق الإنسان من الميدان إلى أن قوات الاحتلال استهدفت نظام الرعاية الصحية (28) مرة بعد استئناف العمليات العسكرية في مارس 2025، ليرتفع العدد الإجمالي إلى (720) اعتداءً منذ أكتوبر 2023، وبات يعمل في قطاع غزة (61) مؤسسة صحية من أصل (157) مؤسسة فقط وهي عبارة عن (13) مؤسسة صحية حكومية، و(7) تابعة للأونروا، و(44) مؤسسة تابعة للقطاع الأهلي، و(32) مؤسسة تابعة لمؤسسات دولية، تقدم خدمات رعاية أولية وجراحات بسيطة.
وتظهر المعلومات نفسها أن قوات الاحتلال ضربت عصب الخدمة الصحية، وتمكنت من تقويض المنظومة الصحية بالكامل في محافظة شمال قطاع غزة، وأخرجت مستشفياتها كافة عن الخدمة، ودمرت أقسام ومرافق حيوية ومهمة داخلها مثل مركز غسيل الكلى الوحيد شمال قطاع غزة، والواقع في مبنى نورة الكعبي في المستشفى الإندونيسي والذي دمر بشكل كلي. كما نسفت قوات الاحتلال مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني بعد أن كانت قد أحرقته قبل الهدنة، وهو المرفق الوحيد المخصص لمرضى الأورام في قطاع غزة، وأخرجت مستشفى كمال عدوان، ومستشفى العودة، التابع لجمعية العودة الصحية والمجتمعية، ومستشفى حمد للتأهيل والأطراف الصناعية عن الخدمة بشكل نهائي، حيث أجبرت سكان المناطق المحيطة بالمستشفيات على النزوح قبل الطواقم الطبية والإدارية التي اضطرت إلى إخلائها في وقت لاحق تحت القصف وإطلاق النار المباشر والمتعمد، وجرى تدمير مستودعات الأدوية والمستلزمات الطبية، وفي جنوب قطاع غزة استهدفت محيط مستشفى غزة الأوروبي بخان يونس وتسببت في تدمير البنية التحتية وأخرجته عن الخدمة.
ويحيق تهديد جدي بوقف عمل مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس، بعد أن أمرت قوات الاحتلال سكان المناطق المحيطة به وبمستشفى الأمل التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ظهر يوم الخميس الموافق 12 يونيو/ حزيران 2025، بإخلاء المنطقة ونشرت خريطة حمراء تشير إلى خطورة البقاء أو الاقتراب منها، ما تسبب في حالة من الإرباك الشديد والخوف والتوتر عند الطواقم الطبية والإدارية، ودفع بعدد كبير من المرضى والجرحى إلى مغادرة المستشفى وامتنع آخرون عن الوصول للمستشفى، نتيجة خطورة وصول ومغادرة المرضى والطواقم الطبية.
ويشير الدكتور عاطف الحوت مدير مستشفى ناصر الطبي، إلى أن استمرار التهديدات بالإخلاء سيترتب عليه مخاطر كارثية، خاصة وأن مجمع ناصر الطبي بات المستشفى الوحيد في المنطقة الجنوبية، بعد إخراج المستشفى الأوروبي عن الخدمة، ويقدم خدمات حيوية ومحورية وغير متوفرة في باقي المستشفيات مثل خدمة جراحة المخ والأعصاب، ويضم نحو (51) سريراً للعناية المركزة، وفي حال تم إخراج المستشفى عن الخدمة سيحرم الآلاف من الرعاية الصحية وهو بمثابة حكم بالإعدام على الجرحى والمرضى في المنطقة الجنوبية.
وكانت إدارة المستشفى طالبت بضرورة الإعلان فوراً عن تحديد مسار إنساني حتى تتمكن سيارات الإسعاف والطواقم الطبية والمرضى والجرحى من الوصول إلى المستشفى دون مخاطر.
وتؤكد المعلومات الميدانية أن المرضى والجرحى في أقسام العمليات والعناية المركزة يعانون نتيجة شح الإمكانيات المتوفرة في المستشفيات المتبقية، جراء نقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات، الأمر الذي يهدد مختلف الخدمات الصحية، بما في ذلك حاضنات الأطفال وحفظ الأدوية، ويشكل العجز الشديد في الأدوية والمستلزمات الطبية خاصة الخيوط الطبية، وأدوية التخدير، والبلاتين والبراغي الطبية اللازمة للجراحات التخصصية. هذا وتضطر الطواقم الطبية إلى إعادة تدوير المستلزمات الطبية كأخذ بلاتين من جريح تعافى وتعقيمه ونقله إلى جريح آخر من شدة العجز في المستلزمات الطبية، وإلى إجراء مفاضلة بين الجرحى والمصابين حيث تعطى الأولوية للجريح والمصاب الذي احتمالية إنقاذ حياته أكبر في ظل الإمكانيات المحدودة، بالإضافة إلى سياسة التجويع ونفاد المخازن من الأغذية التي ألقت بظلالها السلبية على الأحوال الصحية للمرضى والجرحى حيث لم تتمكن المستشفيات من تقديم أي وجبات غذائية لهم، مما فاقم من أوضاعهم الصحية، وفاقم الجوع من نقص وحدات الدم بعد تقلص عدد الصالحين للتبرع بالدم.
وتشير بيانات وزارة الصحة في غزة إلى أن نسبة العجز في قائمة الأدوية الأساسية بلغت (51%)، وارتفع العجز في أدوية الرعاية الأولية وخاصة أمراض السكر، والضغط والقلب إلى (53%)، والعجز في أدوية أمراض السرطان والدم (64%)، فيما ارتفع العجز في المستهلكات الطبية إلى (60%) وسجل العجز في مجال القسطرة القلبية نسبة (100%)، والعظام (87%). وبعد تدمير وتوقف (25) محطة للأكسجين من أصل (34) محطة، بقيت (9) محطات فقط تعمل بشكل جزئي، وتعطلت مجمل المعامل من التدمير وانقطاع الكهرباء ونقص الوقود، وقوض عمل المختبرات وبنوك الدم. هذا وتبقى ما نسبته (40%) من الأجهزة فيما تبقى من المستشفيات وتعمل تحت ضغط كبير، دون صيانة دورية، ولا يتوفر لها قطع غيار.
وتتفاقم معاناة (11,000) مريض سرطان، بسبب انعدام الرعاية الصحية والأدوية والعلاج المناسب، وعدم توفر أجهزة التشخيص المبكر. ولم يتمكن (5,000) مريض سرطان لديهم تحويلة عاجلة من السفر بسبب إغلاق المعابر والقيود التي تفرضها قوات الاحتلال على مغادرتهم. وحول هذه المعاناة أفادت السيدة: آمنة سلامة على الأقرع، البالغة من العمر (74) عاماً، من سكان مدينة دير البلح، بما يأتي:
“خلال شهر نوفمبر 2024، شعرت بألم في الجهة اليسرى من صدري، وتوجهت إلى المستشفى وخضعت للفحص الطبي، فاكتشف الأطباء وجود كتلة سرطانية على الصدر، حصلت على تحويلة طبية للعلاج في الخارج، وانتظرت إشارة بالسفر من منظمة الصحة العالمية وحتى هذه اللحظة انتظر … تراجعت حالتي الصحية بشكل خطير فقرر الأطباء في مركز غزة للسرطان- بمستشفى غزة الأوروبي تصميم برتوكول علاجي مكون من عدة جلسات كيماوي … وأوصى الأطباء بضرورة الالتزام بالمواعيد، وبالفعل حصلت على الجرعة الأولى بتاريخ 14/04/2025، والثانية بتاريخ 5/05/2025، وحدد الأطباء الجلسة الثالثة بتاريخ 26/05/2025، لكن قوات الاحتلال هاجمت المستشفى وسيطرت عليه ونتيجة لذلك لم أتمكن من الخضوع لجلسة العلاج… أشعر بآلام متواصلة في رأسي ووخزات في صدري ويدي اليسرى وأخشى على حياتي..”
مركز الميزان لحقوق الإنسان يجدد تأكيده على أن سلوك قوات الاحتلال، وتعمد مهاجمة المنظومة الصحية وتدمير المستشفيات، يدفع إلى تعميق الكارثة الإنسانية ويسهم في تكريس الإبادة الجماعية، ويهدد حياة الآلاف من الجرحى والمرضى. ويؤكد على أن هذا السلوك يشكل انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، التي تفرض على أطراف النزاع احترام وحماية المستشفيات في جميع الأوقات، بل وتقديم المساعدة لضمان حسن تشغيلها.
وبناءً عليه، فإن مركز الميزان يناشد المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، وكل أصحاب الضمائر الحية، أن يبادروا لتكثيف تحركهم العملي، لوقف الإبادة الجماعية، وضمان حماية ما تبقى من مستشفيات ومنشآت طبية، وضمان تزويدها بالطاقة الكهربائية والأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية الضرورية لإعادة تشغيل المنظومة الصحية بما ينقذ حياة الجرحى والمرضى.
كما يجدد المركز تذكير المجتمع الدولي بواجباته ومسئولياته القانونية والأخلاقية، لاتخاذ التدابير الكفيلة باحترام قرارات محكمة العدل الدولية الاحترازية لمنع الإبادة، ورأيها الاستشاري بعدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي ما يرتب واجبات تقتض إجراءات فورية لوقف الإبادة واتخاذ التدابير الكفيلة بإنهاء الاحتلال.
ويشدد مركز الميزان على أن حماية المستشفيات وغيرها من المنشآت الصحية والمدنية وحماية المدنيين هي واجبات قانونية يفرضها القانون العرفي والقانون الدولي الإنساني، وعلى الأطراف واجبات قانونية واضحة تفرض على الأطراف الثالثة القيام بواجبها لوضع حد لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية والعمل على ملاحقة ومحاسبة مقترفيها.
والعمل على إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة، والسماح بدخول إرساليات الأدوية، والمعدات والمستلزمات الطبية، والوقود، ودخول الوفود الطبية، وتوفير ممر إنساني لإجلاء المرضى والجرحى إلى المرافق الطبية التخصصية خارج قطاع غزة بشكل متواصل ومستمر وبأعداد معقولة وتمكينهم من العودة إلى ذويهم وديارهم بعد استكمال العلاج هي واجبات قانونية قبل أن تكون واجبات إنسانية وأخلاقية.
انتهى