نداء عاجل … المدنيون يموتون جوعاً على الهواء : إسرائيل ترتكب أكبر جريمة تجويع وقتل جماعي في العصر الحديث

0 109

نداء عاجل
المدنيون يموتون جوعاً على الهواء:

إسرائيل ترتكب أكبر جريمة تجويع وقتل جماعي في العصر الحديث

أمام العالم الذي سقط أخلاقيا وأسقط المشترك الإنساني
الميزان يطالب بالتحرك الفوري لإنقاذ حياة السكان في غزة

يحذر مركز الميزان لحقوق الإنسان من نتائج الكارثة الإنسانية الناجمة عن تعمد إسرائيل استخدام التجويع كسلاح تجاه سكان قطاع غزة، وهي سياسة ممنهجة تصاعدت بشكل خطير في الأسابيع الأخيرة، حيث بات النقص الحاد في الغذاء والماء والدواء يشكل تهديداً وجودياً مباشراً لحياة كل المدنيين دون استثناء، وتسجل حالات وفاة يومية فعلية نتيجة الجوع وسوء التغذية ونقص الماء والرعاية الصحية، وتزايدت حالات الإغماء بين الأطفال والنساء والشيوخ وحتى الشباب، وأصبحوا يسقطون على الأرض في الطرقات وأماكن النزوح. وتدل هذه التطورات المخيفة على مؤشرات خطيرة لحدوث موجات موت جماعي، إذا ما استمرت إسرائيل في هذه السياسة، وتواصل صمت المجتمع الدولي إزاء هذه الإبادة.
حيث تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي إغلاق معابر قطاع غزة للشهر الخامس على التوالي، مانعة إدخال الإمدادات الإنسانية التي يحتاجها السكان المدنيون للبقاء على قيد الحياة، وتسجل مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والمجاعة، نتيجة عجز معظم الأسر عن الحصول على الغذاء وتلبية احتياجاتها الأساسية. وفي الوقت نفسه تستهدف المجوعين أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات التي أنشأتها، وأصبح الحصول على الطعام بمثابة مخاطرة يومية قد تودي بحياة من يحاول النجاة من الجوع.
وتسبب هذا الحصار المشدد بفقدان مختلف السلع والمواد الغذائية من الأسواق، كالسكر وزيت الطهي والأرز واللحوم بمختلف أنواعها، وارتفعت بشكل حاد أسعار الدقيق، وهو أحد أهم مصادر الغذاء اليومية لكل الأسر، إذ ارتفع سعر كيلو الدقيق الواحد إلى حوالي 70 دولاراً، وسط صعوبة إيجاده، وما تبقى من سلع فليس باستطاعة أغلب السكان شراءه. وتسبب ذلك في تفشي الجوع وانتشاره بشكل واسع، وظهرت على كل السكان أعراض سوء التغذية، بالأخص بين الأطفال والمرضى وكبار السن.
أفاد (س. م) وهو أب لخمسة أبناء كلهم أطفال، منذ أشهر لم أحصل على أي مساعدات، كنت أشتري القليل من الطعام كل يوم بما يتوفر ممن قليل من المال، لا سيما الدقيق، منذ أشهر لم نأكل سوى الخبز والعدس ووجبة واحدة يومياً، إلا أني لم آكل أنا وزوجتي وأطفالي منذ ثلاثة أيام، سوى القليل من حساء العدس، ذهبت خلال الأيام الثلاثة بشكل يومي للبحث عن الدقيق لأسد جوع أطفالي ولا أجده، وعندما وجدته أمس عند أحد الباعة، قال لي أن ثمن الكيلو الواحد 300 شيكل، وأنا لا أملك سوى 200 شيكل، فعدت للمنزل دون شراء شيء، وأثناء عودتي وأنا أمشي، أصبت بالدوار وسقطت على الأرض، قام بعض الناس بجلب القليل من الماء لأشرب، وأعطوني بعض الملح لكي أستعيد بعض قوتي، وعدت للمشي وسقطت مرة أخرى على باب المنزل، حملني بعض الجيران إلى داخل المنزل، وكانت زوجتي وأطفالي يبكون، وأنا بكيت عليهم لأنهم جوعى ولم أحضر لهم شيء يأكلوه، لا أخشى على نفسي، أخشى على أطفالي أن يموتون من الجوع.
وتستمر إسرائيل في منع دخول الإمدادات الطبية إلى قطاع غزة بالتوازي مع منع إمدادات الغذاء، ما عمق من أزمة الجوع، وأثر على علاج حالات سوء التغذية بالمحاليل الطبية والفيتامينات، وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن أعداداً غير مسبوقة من المواطنين المجوعين من كافة الأعمار تصل إلى أقسام الطوارئ في حالة إجهاد وإعياء شديدين، وحذرت من أن المئات من الذين نحلت أجسادهم سيكونون عرضة للموت المحتم نتيجة الجوع، وتخطي قدرة أجسادهم على الصمود. في حين يقع أكثر من (600,000) طفل في قطاع غزة في دائرة الخطر الشديد، وبلغ عشرات الآلاف منهم لأشد مراحل سوء التغذية، وتصعب متابعتهم طبياً بسبب نقص الأدوية العلاجية وحليب الأطفال، في ظل عجز المستشفيات عن تقديم مساعدة فعلية نتيجة منع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية. وأعلنت أن عدد الأطفال الذين توفوا بسبب سوء التغذية قد بلغ (69) طفلاً، فيما بلغ عدد الوفيات الناتجة عن نقص الغذاء والدواء (620) مريضاً.
وبحسب تصريح لجولييت توما، مديرة الإعلام والتواصل في كافة مناطق عمليات الأونروا، أن الأونروا قامت بفحص أكثر من 242 ألف طفل في عيادات الوكالة ومراكزها الطبية في جميع أنحاء القطاع، وتم تأكيد أن واحد من كل عشرة أطفال تم فحصهم يعاني من سوء التغذية.
هذا وتعتمد الأسر بشكل عام في قطاع غزة على وجبة واحدة تفتقر إلى القيمة الغذائية في اليوم الواحد، وفي بعض الحالات يمضي السكان أياماً كاملة دون تناول الطعام، وقد يلجأ السكان إلى أساليب للتأقلم كالصوم أو تقليل حجم الوجبات وتقنين الخبز للأطفال، والاقتراض والتسول والبحث عن الطعام من القمامة. كما يخاطرون بحياتهم في محاولة لتأمين الغذاء من مواقع التوزيع العسكرية أو قوافل المساعدات الإنسانية الذي قد يعرض حياتهم للخطر أو الرجوع دون الحصول على الطعام. حيث استقبل مجمع ناصر الطبي 32 شهيداً منذ فجر اليوم وعشرات الإصابات نتيجة مجزرة الاحتلال باستهدافهم في مراكز توزيع المساعدات الإسرائيلية الأمريكية جنوب قطاع غزة.
وبحسب تقييم أجراه برنامج الأغذية العالمي مؤخراً، فإن شخصاً واحداً من كل ثلاثة أشخاص تقريباً لا يأكلون لأيام، مما يعرض المزيد من الناس لخطر المجاعة، وخاصة بعد عمليات النزوح المتكررة، التي اضطرت أكثر من 700 ألف شخص إلى الانتقال منذ 18 مارس، حيث إن ما يقدر بنحو 85 % من غزة تعتبر الآن منطقة عسكرية غير آمنة.
وقد صرح توم فليتشر، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ ” المواد الغذائية تنفد وأولئك الذين يسعون إلى الحصول عليها يتعرضون لخطر إطلاق النار عليهم، والناس يموتون وهم يحاولون إطعام أسرهم، وقد بلغت معدلات المجاعة في أوساط الأطفال أعلى مستوياتها في شهر حزيران/يونيو، إذ جرى تشخيص إصابة أكثر من 5,800 فتاة وفتى بسوء التغذية الحاد.
وبموازاة الحصار واستهداف منتظري المساعدات، فقد دمرت قوات الاحتلال وأخرجت عن الخدمة ما يقرب منـ 92% من الأراضي الزراعية، و1218 بئراً زراعياً، كما تقلصت الأراضي المزروعة بالخضروات إلى (4000) دونم فقط من أصل (93000) دونم، كما تضررت (100%) من الثروة السمكية نتيجة استهداف مناطق الصيد ومنع الصيادين من الدخول الى البحر.
ويواجه جميع سكان قطاع غزة مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد حسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) (المعيار العالمي لقياس انعدام الأمن الغذائي)، من المتوقع أن يواجه جميع السكان أزمة أو انعدام أمن غذائي حاد أسوأ، ويشمل ذلك 470,000 شخص (22% من السكان) في حالة كارثة (المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي)، وأكثر من مليون شخص في حالة طوارئ.
أفادت (س. ب) مصابة بسوء تغذية حاد، أنا وأطفالي (3 سنوات/7 سنوات) منذ أسابيع لم نستطع الحصول على الدقيق، فقط نأكل بعض الوجبات من العدس والرز والمعكرونة وحتى التكيات توقفت في منطقتنا، ويذهب زوجي إلى المساعدات لكن يعود بدون شي بسبب إطلاق النار عليهم، الأسعار غالية جداً لا يوجد لدينا دخل، سجلنا عدة مرات للحصول على المكملات الغذائية التي توزع لكنها فقط توزع للحوامل والأطفال، وفي آخر مرة جرى قصفهم وهم ينتظرون استلام المكملات، فأصبحنا نخاف حتى الذهاب الى المؤسسات.
مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يدين بشدة سياسة القتل الجماعي التي تتعمدها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق سكان قطاع غزة، من خلال استخدام التجويع كأداة حرب ووسيلة من وسائل الإبادة الجماعية التي تباشرها، فإنه يؤكد في الوقت ذاته أن منع الغذاء والدواء والماء واستهداف المدنيين في أماكن انتظارهم للمساعدات الإنسانية وخلق واقع يدفع إلى التخلص من المدنيين جوعاً، يمثل انحداراً أخلاقياً وقانونياً غير مسبوق، يتحمل مسؤوليته المجتمع الدولي بسبب صمته المريب، وعدم تحركه إزاء كل الجرائم المرتكبة والمستمرة على مدار أكثر من 21 شهراً، وفتحت شهية الاحتلال للمزيد من الدماء الفلسطينية.
إن ما يجري في غزة هو اختبار حقيقي ووجودي لمنظومة القيم الأخلاقية والإنسانية والقانونية التي طالما تباهى بها العالم الحر، وستسجل هذه اللحظة في التاريخ، وهي بمثابة امتحان عالمي ستبنى عليه مواقف وأحكام أجيال قادمة، فمنذ متى أصبح التفاوض على الطعام والماء والدواء مقبولاً. إن المساعدات الإنسانية يجب ألا تربط بأي اعتبارات سياسية أو أمنية، بل يجب أن تقدم فوراً، وبشكل منظم وآمن، عبر وكالات الأمم المتحدة وخصوصاً الأونروا، لضمان الحياد والنزاهة واحترام كرامة المدنيين، إن التجويع ليس ورقة تفاوض، بل جريمة إبادة يجب وقفها فوراً.
وعليه، يوجه مركز الميزان نداءً عاجلاً لكل دول العالم، والأمم المتحدة، وأجهزتها المعنية، وفي مقدمتها مجلس الأمن، ومجلس حقوق الإنسان، ومحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، والاتحاد الأوروبي، وكل أحرار العالم، بالتحرك الفوري لإنقاذ ما تبقى من حياة في قطاع غزة، فلا مجال بعد اليوم للمزيد من البيانات الإنشائية أو الإدانة اللفظية، إذ توشك كارثة غزة أن تتحول إلى أكبر كارثة إبادة في العصر الحديث أمام سمع ونظر العالم.
ويؤكد المركز أن الوقت ينفد، وأن التأخر في التدخل الدولي يعني القبول الضمني بموجات موت جماعي بدأت تتكشف مع كل يوم جديد من الحصار والجوع، وأصبح تصاعد الكارثة يحسب بالساعات وليس بالأيام، وذلك يستوجب التدخل لوقف قوات الاحتلال إطلاق النار فوراً، وفك الحصار، وضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية بأقصى حد، وتفعيل آليات المساءلة والمحاسبة، لضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب، وتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية بحق نتنياهو وجالانت، فيما يتعلق بالتجويع واستخدامه كسلاح في الإبادة بحق المدنيين.
ويدعو المركز الأصوات الحرة حول العالم من ناشطين ومدافعين عن حقوق الإنسان، إلى الشعوب التي تؤمن بالعدالة والحرية والكرامة، إلى التحرك من أجل وقف هذه الإبادة المستمرة، وإعلاء الصوت لإنقاذ أرواح الأبرياء الذين يموتون فقط لأنهم فلسطينيون يعيشون في غزة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد