إسرائيل تفاقم المجاعة في غزة وتضلل العالم بمزاعم تسهيل دخول المساعدات

0 119

إسرائيل تفاقم المجاعة في غزة وتضلل العالم بمزاعم تسهيل دخول المساعدات

مركز الميزان يطالب المجتمع الدولي بالتدخل الفوري والحقيقي لإنقاذ حياة السكان في غزة

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء جريمة حرب الإبادة الجماعية، استخدام التجويع كسلاح حرب ضد السكان المدنيين في قطاع غزة، بالتزامن مع عمليات القصف والتدمير واسعة النطاق لكافة مقومات الحياة، والأعيان المدنية والبنية التحتية وكافة القطاعات الخدماتية الحيوية الأخرى. وتفرض سلطات الاحتلال حصاراً مطبقاً وقيوداً مشددة على الحركة والتنقل، بما في ذلك منع وعرقلة عمليات الإغاثة وتزويد السكان بالمواد الغذائية والإمدادات الطبية والمقويات اللازمة للأطفال، خاصة الحليب المخصص للرضاعة.

ولم تكن سياسة التجويع وليدة اللحظة، بل جاءت ضمن خطة معدة مسبقاً لاستخدام التجويع كسلاح، وعبر عنها قادة دولة الاحتلال ونخبها بوضوح منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة، وهو ما أكده تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت، الذي أمر بفرض حصار شامل على قطاع غزة، وقال أنه سيمنع دخول الغذاء والماء، كجزء معلن من العملية العسكرية، وتطابقت الأقوال مع الأفعال، وترجمت التصريحات إلى واقع كارثي يعيشه أكثر من مليوني إنسان في القطاع.

حيث تواصل سلطات الاحتلال خداع المجتمع الدولي من خلال الادعاء بأنها تسهل إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بينما تفرض على الأرض إجراءات تعجيزية تقوض أي جهد إنساني حقيقي. فبعد ارتفاع الأصوات الدولية المطالبة بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة بعد بث مشاهد الموت جوعاً على الهواء، أعلنت قوات الاحتلال السبت الماضي 26 يوليو 2025، عن السماح بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، بما فيها تلك العالقة على الجانب المصري من معبر رفح، وتحديد ممرات إنسانية سيوقف فيها إطلاق النار، ويسمح خلالها للأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالتحرك لإدخال المساعدات الإنسانية، وزيادة عدد التصاريح والموافقات على الشاحنات، وضمان عدم إطلاق نار بالقرب من القوافل، كما أعلنت عن عمليات إنزال جوي للمساعدات.

وعلى أرض الواقع، أعادت إسرائيل هندسة آلية تجويع السكان، مستخدمة التضليل الإعلامي لإيهام المجتمع الدولي بأنها تسمح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، حيث تواصل قوات الاحتلال استهداف المدنيين في محيط نقاط التوزيع ومناطق تمركز النازحين منذ الأيام الأولى، وحتى في المناطق التي صنفتها آمنة لدخول المساعدات. ففي اليوم الأول، قصفت قوات الاحتلال خياماً للنازحين في محيط منطقة أصداء غرب خان يونس وهي طريق تستخدمها قوافل المساعدات، ما أدى إلى استشهاد سبعة مواطنين. وفي حادثة أخرى، استهدفت مجموعة من المواطنين على دوار الشيخ زايد شمال قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد أربعة مدنيين. وفي اليوم الثاني والثالث استمرت عمليات الاستهداف، وشنت الطائرات الحربية غارة على تجمع للمواطنين في منطقة الصفطاوي شمال غزة، ما أدى إلى استشهاد عدد من المواطنين. كما استهدفت مجموعات الحماية من أبناء العائلات والعشائر، ما أسفر عن استشهاد أحد عشر من عناصر فرق الحماية.

ويجبر الجيش الإسرائيلي سائقي الشاحنات على اتباع طرق محددة هو من يقررها، منها الطريق الساحلي غرب مدينة رفح مروراً بالمناطق المكتظة بالنازحين غرب خان يونس، كذلك اتباع طريق صلاح الدين الرئيسي في المنطقة الجنوبية الشرقية لمدينة خان يونس والمرور من وسط المدينة المكتظ بالنازحين، وحدد الجيش طريقا ثالثاً من محور نتساريم وسط القطاع، مرورا ًبشارع الرشيد الغربي، والسير باتجاه الجنوب إلى مدخل مخيم النصيرات حيث تعج المنطقة بالنازحين، بالإضافة إلى الخط الساحلي شمال غرب محافظة شمال غزة، وما يعرف بطريق (زيكيم)[1]، وتتعرض هذه القوافل في تلك المناطق لسطو منظم، سواء من قبل عصابات مسلحة أو مدنيين جوعى، في ظل غياب أي حماية، بعد استهداف فرق الأمن المحلي التي تحاول توفير الحماية لوصول القوافل إلى المخازن من أجل توزيعها بشكل عادل.

وحول مزاعم إدخال المساعدات، فقد سمحت في اليوم الأول إدخال (73) شاحنة فقط، في شمال وجنوب قطاع غزة، وثلاث عمليات إنزال جوي لم تعادل في مجموعها سوى شاحنتين من المساعدات، وفي اليوم الثاني لم تتعد (87) شاحنة، وعملية إنزال جوي واحدة لم تتجاوز حمولتها نصف شاحنة. كما تسببت إحدى عمليات الإنزال في إصابة (11) مواطناً جراء سقوط إحدى المظلات على إحدى الخيام غرب غزة. ولم تصل أغلب هذه الشاحنات التي كانت في أغلبها تتبع لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، بل تعرضت للسطو والسرقة. في حين يحتاج قطاع غزة يومياً إلى (600) شاحنة إغاثية تشمل حليب الأطفال والمساعدات الإنسانية والوقود لتلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان، وما أدخل إلى قطاع غزة بعد الإعلان هي محاولة فقط للتضليل الإعلامي وتجاوز الضغوط والإبقاء على التجويع في غزة.

وتحت ضغط الجوع الشديد، وبسبب قلة كميات شاحنات المساعدات التي سمح لها بالدخول إلى القطاع، أو الطرق التي أمرت بالسير فيها وسرقت معظمها، تواصل تزاحم السكان على ما بات يعرف بمصائد الموت (بنقاط التوزيع الأمريكية الإسرائيلية)، واستمرت عمليات القتل الجماعي على باب هذه النقاط، تطلق عليهم الآليات العسكرية والطائرات المسيرة، والبوارج الحربية نيران أسلحتها ما يتسبب في سقوط عشرات الضحايا، وتحولت بعض نقاط توزيع المساعدات إلى ساحات مجازر، أثناء محاولة المجوعين الحصول على كيس طحين أو عبوة غذاء.

وتشير المعلومات الميدانية إلى سقوط (238) شهيداً و(1498) مصاباً من منتظري المساعدات خلال خمسة أيام، منذ إعلان إسرائيل التسهيلات لدخول المساعدات بتاريخ 26/7/2025، وبالمقارنة مع الأيام الخمسة التي سبقت الإعلان الإسرائيلي، سقط (170) شهيداً، و(1459) مصاباً، ما يعني أن إسرائيل زادت من وتيرة استهداف منتظري المساعدات الإنسانية.

وفي إشارة إلى استمرار التجويع من واقع أسعار المواد الغذائية المتوافرة في السوق، نلحظ أن سعر كيلو الطحين قبل الإعلان كان قد تراوح ما بين 17 دولاراً للكيلو الواحد وصولاً إلى 30 دولار، والآن وبعد خمسة أيام من إعلان إسرائيل التسهيلات، يبلغ كيلو الطحين 17 دولاراً، يعني أن التجويع ما زال يراوح مكانه، لأنه وفي ظل توفر المواد والسلع الغذائية بشكل كافي عند السكان، ستنخفض أسعارها بشكل مباشر في الأسواق، إذ كان يبلغ سعر كيس الطحين الكامل 25 كيلو جرام، في وقت وقف إطلاق النار في شهر فبراير من نفس العام 5 دولارات فقط.، وكذلك الأمر لباقي السلع مثل الأرز والزيت وغيرها من المواد الغذائية التي بقيت أسعارها مرتفعة بشكل جنوني، في حين ما زال حليب الأطفال مفقود.

هذا وتتخذ المجاعة وسوء التغذية مساراً خطيراً في قطاع غزة، حتى بعد إعلان إسرائيل إدخال المساعدات براً وجواً، حيث استمرت وفيات المجوعين، وارتفعت أعداد الوفيات جراء سوء التغذية، إذ سجلت مستشفيات قطاع غزة (32) حالة وفاة جديدة منذ إعلان دخول المساعدات، ليرتفع العدد الإجمالي لوفيات المجاعة وسوء التغذية إلى (150) حالة وفاة، من بينهم (90) طفلاً، وهذا يثبت أن أزمة التجويع آخذة في التفاقم على عكس ما يروج.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن طفل من كل خمسة أطفال دون سن الخامسة في مدينة غزة يعاني الآن من سوء التغذية الحاد، ولقد تضاعف سوء التغذية الحاد العام في مدينة غزة ثلاث مرات ما يجعلها المنطقة الأكثر تضرراً في قطاع غزة، وأما في خان يونس والمنطقة الوسطى، فقد تضاعفت المعدلات في أقل من شهر واحد.[2] ويوجد أكثر من (100,000) طفل أعمارهم ما بين عامين، من بينهم (40,000) طفل رضيع أعمارهم أقل من عام واحد معرضون للموت البطيء بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال حليب الأطفال والمكملات الغذائية بشكل كامل منذ 150 يوماً.

صرح الدكتور منير البرش، المدير العام بوزارة الصحة الفلسطينية، يتضور الأطفال جوعاً من أجل إدخال عاجل للمستلزمات الطبية والغذائية، الحليب العلاجي للأطفال والرضع، المكملات الغذائية عالية البروتين والسعرات (مثل الإنشور)، محاليل جلوكوز مركّزة (20% و50%)، أغذية علاجية جاهزة (RUTF)، مضادات حيوية وريدية، مصادر البروتين: اللحوم، البيض، الألبان، والسكر.[3]

أفادت والدة الطفلة زينب أبو حليب 6 أشهر، التي توفت في مستشفى ناصر الطبي نتيجة سوء التغذية والمجاعة، كنت أعاني من سوء التغذية أثناء الحمل، وولدت طفلتي زينب ولم أستطع إرضاعها، ولا يوجد حليب، والمعابر مغلقة ولم أستطيع توفير الحليب الصناعي لها مما عرض حياتها للخطر وبدأ وزنها ينقص حتى وصلت الى 2 كيلو جرام وبعدها توفت.

وقد حذرت بلدية غزة من تفاقم أزمة المياه في المدينة، وتفشي العطش، جراء استمرار انقطاع خط مياه مكروت لليوم الحادي عشر على التوالي، بسبب تعرضه لأضرار جسيمة في حي الشجاعية، والذي يستلزم إصلاحه موافقة قوات الاحتلال، التي لم تعط الإذن بإصلاحه، ما يتهدد حياة مئات آلاف الأشخاص، سيما أن هذا الخط يغذي 70% من احتياجات المدينة للمياه المنزلية ومياه الشرب.

تظهر هذه الوقائع أن الاحتلال لا يكتفي بتجويع السكان عبر منع المساعدات، بل يتظاهر بتسهيل دخولها، وفي الواقع هو يحافظ بشكل ممنهج وبآليات مختلفة بقاء المجاعة وتفاقمها. إن الحديث عن تسهيلات إسرائيلية هو محض افتراء، ومحاولة إعلامية زائفة تحت ضغط دولي، حتى معظم الشاحنات التي تمت الموافقة عليها من الجانب الإسرائيلي لا تصل إلى داخل غزة، بسبب عراقيل أمنية، أو اشتراطات لوجستية معقدة، أو استهداف الطرق ومنتظري المساعدات، وتسهيل السطو عليها وسرقتها.

ولا يمكن فصل هذا السلوك الإجرامي عن الإطار الأشمل لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة، حيث يستخدم الجوع، والعطش والمرض، وانعدام الأمن، كأدوات ممنهجة لإخضاع السكان، وتحطيم معنوياتهم، وإرغامهم على الخضوع أو التهجير القسري.

وفي ظل هذا الواقع الكارثي، يؤكد مركز الميزان أن مسؤولية ما يجري لا تقع على إسرائيل وحدها، بل تمتد إلى المجتمع الدولي الذي يكتفي بالشجب اللفظي دون أي خطوات عملية. إن التباطؤ في التحرك، والقبول بالدعاية الإسرائيلية الكاذبة، والتغاضي عن الكارثة التي تفتك بأكثر من 2 مليون إنسان، يمنح الاحتلال مزيداً من الوقت لتوسيع دائرة الكارثة، ويهدد بمزيد من الوفيات الجماعية نتيجة الجوع وسوء التغذية وانهيار النظام الصحي.

مركز الميزان لحقوق الإنسان يستنكر ويدين بشدة استمرار استخدام إسرائيل التجويع كسلاح، والتظاهر بالسماح بإدخال المساعدات واستخدام التضليل الإعلامي للإبقاء على حالة التجويع، وتوفير الغطاء لعصابات السطو على المساعدات الإنسانية واستهداف مجموعات الحماية، وإشاعة الفوضى والعوز بين السكان، وإمعانها في منع دخول الغوث الإنساني، وهندسة وعسكرة تقديم المساعدات، بما يضاعف من معاناة الفلسطينيين الجوعى ويمتهن كرامتهم، ويعرضهم للقتل والإصابة، والموت جوعاً.

وبناءً عليه، يطالب المركز المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ خطوات فعالة وفورية لوقف الإبادة الجماعية، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون قيود، وتعزيز دور وكالات الأمم المتحدة في توزيعها، وإجبار سلطات الاحتلال على الوقف الفوري لكل أشكال الجرائم بحق المدنيين ومناطق تجمعهم، لا سيما منتظري المساعدات الإنسانية، ووقف آلية توزيع المساعدات الإسرائيلية الأمريكية غير الإنسانية، ورفع الحصار الإسرائيلي الكامل عن قطاع غزة، وتأمين دخول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومنتظم، للحفاظ على حياة أكثر من مليوني مدني في قطاع غزة، يواجهون خطر الموت جوعاً وعطشاً ومرضاً.

[1] https://www.majalla.com/node/325844/سياسة/غزة-انتشار-الفوضى-والعصابات-المشبوهة-على-وقع-التجويع?utm_source=chatgpt.com

[2] تقريرمنظمة الصحة العالمية

[3] وزارة الصحة الفلسطينية

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد