عندما يفلس النتنياهو – علاء شلبي – الأحد 17/أغسطس/2025 – جريدة الدستور

0 7

عندما يفلس النتنياهو

علاء شلبي

لا يختلف المتخصصون فى الشأن الإسرائيلى فى إدراك التحولات العميقة فى المجتمعات اليهودية التى باتت تتسم بتطرف لم تعرفه الأجيال السابقة، فالخلافات بين القوى السياسية الإسرائيلية لا تتعلق بخيار السلام وحل الدولتين، لكنها تدور حول سبل إدارة الصراع والمفاضلة بين الاحتفاظ بحاضنة دولية متنوعة وبين الاكتفاء بالحليف الأمريكى «اليانكى»، الذى سبق وأن محا الشعوب الأصلية فى العالم الجديد لبناء دولته القوية.
ولنا فى قضية الصراع على تجنيد «الحريديين» مؤشر على عمق التطرف الذى بلغه المجتمع اليهودى فى إسرائيل، حيث يقارب عدد أتباع الصهيونية الدينية نحو ٤٠ بالمائة من السكان، وتبرز هذه الحقيقة بقوة فى خسارة الجيش الإسرائيلى المسمى كذبًا بـ«الدفاع» ٣٦ بالمائة من قوة الاحتياطى بسبب رفض الحريديم الالتزام بالخدمة العسكرية.
ويفسر ذلك فى جانب منه إصرار نتنياهو على الحفاظ على حكومته الائتلافية اليمينية المتطرفة، وخاصة حلفائه من أحزاب الصهيونية الدينية من أمثال سموتريتش وبن غفير ودرعى، رغم استعداد الأحزاب الأخرى بقيادة لابيد وجانتس تلبية رغبة واشنطن فى توفير مظلة أمان لبقاء حكومة نتنياهو فى السلطة لحين انتهاء حالة «الحرب»، حيث يدرك نتنياهو أن مثل هذه المظلة التى توفر مخرجًا لإسرائيل لن تتيح له شخصيًا الفرصة للبقاء لفترة طويلة، فسرعان ما ستطيح به الانتخابات المقبلة، وسيلاحق بتهم الفساد، فضلًا عن الفشل الذريع فى ٧ أكتوبر.
نتنياهو وفى ظل العزلة الدولية المتزايدة على إسرائيل نتيجة لسياساته يواجه إفلاسًا متزايدًا، بلغ حد ارتكاب حماقة الحديث عن التزامه بوهم «إسرائيل الكبرى» فى حديث للقناة ٢٤ يتضح لمشاهديه أن مضمونه كان مرسومًا ومرتبًا بشكل منهجى لتمرير هذه الرسالة وغيرها من رسائل يحتاجها نتنياهو فى أزمته الراهنة.

نتنياهو لجأ لرسالة «إسرائيل الكبرى» المزعومة لتحقيق أهداف مركبة ومنظمة، تضمن له أولًا الحفاظ على تركيبة الائتلاف الحكومى مع أحزاب الصهيونية الدينية التى تنظر بجدية فى الخروج من الائتلاف لإرضاء أتباعها التى تطالب بالإسراع ببدء الاستيطان فى قطاع غزة من ناحية، ومن ناحية أخرى تضغط على نتنياهو لتجاهل الضغوط الأمريكية والأوروبية لتنفيذ الضم النهائى للضفة الغربية.

ومن ناحية ثانية، يحتاج نتنياهو لدعم متفان من جماهير الصهيونية الدينية فى مواجهة سلسلة احتجاجات وإضرابات من المتوقع أن تبدأ مع الإضراب العام المدعو له يوم الأحد ١٧ أغسطس الجارى، خاصة وأن اتحاد النقابات العمالية «الهستادروت» منقسم بشأن الاستجابة للدعوة للإضراب ويرجح أن ينضم لها، أو على الأقل لا يمنع أتباعه من المشاركة فى الإضراب.

ونتنياهو يعى جيدًا خطورة حديثه عن «إسرائيل الكبرى» التى تنقل عبئًا أكبر على كاهل الإدارة الأمريكية فى مواجهة حلفائها العرب، فضلًا عما تؤدى إليه من زيادة الميل الأوروبى للتشدد، لكن نتنياهو بحاجة لحملات رسمية عربية بالإدانات والاستنكار لتصريحاته الخرقاء لكى يستميل بعض الجماهير اليهودية التى ستفكر فى احتضانه وسط تصريحات عربية يمكن تفسيرها كإجراءات عدائية، وتفترض أن يلتف الجمهور حول القيادة.

نتنياهو الفاشل فى تحقيق أهداف سياسية واضحة من شتى المواجهات العسكرية داخل فلسطين المحتلة وعبر الإقليم، يعى جيدًا، وبحكم معطيات التسليح الإقليمى كميًا ونوعيًا، أن ميزان القوة المباشر بمعناه العسكرى ليس فى صالح إسرائيل إذا اختارت المواجهة العسكرية المفتوحة، وعلى مساحة أقل من ٢٠ ألف كيلو متر مربع لا تمنحه هامشًا حتى للتنفس.

ويعى نتنياهو جيدًا بمعايير السياسة أنه دمر مستقبل إسرائيل التى انهارت روايتها وسرديتها كضحية تستدعى التعاطف العالمى، وخسرت معركة الرأى العام العالمى، ومعركة الرأى العام الأوروبى، وتوشك على خسارة الرأى العام الأمريكى الأقرب لها، وستكون كل حكومة تدعمه حاليًا ومستقبلًا فى مأزق أمام شعوبها.

الخلاصة، أن رسالة «إسرائيل الكبرى» التى طرحها نتنياهو هى أكذوبة وخديعة كبرى، على الأقل فى المدى المنظور، وجاءت هذه الرسالة تعبيرًا عن إفلاس عميق يعيشه نتنياهو، وهو الذى اختار منذ قرابة ثلاثة عقود الهروب إلى الأمام كاستراتيجية مستدامة من كل الاستحقاقات، ونجح فى مرات وأخفق فى أخرى.

لكن هذا لا يعنى أنه لا توجد مخاطر حقيقية وجدية تستدعى منا أن نتأهب، وأحد هذه المخاطر هو الإقدام على تقويض المسجد الأقصى المبارك عبر تقويض ما تبقى من أساسات محدودة تبقيه صامدًا، وهو ما يمكن أن يتطوع بالقيام أحزاب الصهيونية الدينية المنخرطة فى السلطة الآن بدعوى إقامة الهيكل وروايات البقرات الحمر.

كما هناك الخطر المعروف بشأن دفع السكان فى قطاع غزة نحو الأراضى المصرية، والذى بات الرأى العام العالمى كله اليوم يفهم نتيجته الأوتوماتيكية، وهى النتيجة التى سبق وأن أبلغتها قيادة مصر لصناع القرار فى كل دول العالم المعنية عشية قيام إسرائيل باحتلال محور صلاح الدين «فيلادلفيا» فى الجانب الفلسطينى من الحدود فى ٦ مايو ٢٠٢٤.

وهناك بطبيعة الحال الخطر من استئناف الضربات على إيران، والذى حذرت منه عواصم عدة، بينها موسكو وبكين، والذى يتوقع أن تأتى حدة المواجهة هذه المرة أضعاف ما جرى فى مواجهة معركة الـ١٢ يومًا السابقة، خاصة فيما يمكن أن ينتج عن إيقاع أضرار نووية فى الجانبين لا يمكن تقدير مداها.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد