إسرائيل تواصل حرب الإبادة الجماعية
وتتعمد نشر الأمراض الخطيرة والمعدية بين السكان
مركز الميزان يطالب المجتمع الدولي بالتخلي عن صمته والتدخل العاجل لإنقاذ حياة الأبرياء
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية ضد المدنيين في قطاع غزة للشهر الثالث والعشرون على التوالي، وتواصل استهداف البنية التحتية في قطاع غزة بشكل منظم ومتعمد، بما في ذلك المرافق الخدمية والصحية، وتستمر في تهجير سكان القطاع بشكل متكرر، وتجبر آلاف العائلات على النزوح إلى أماكن غير مهيأة وسط اكتظاظ شديد في مراكز النزوح والخيام، وتستخدم التجويع والتعطيش كسلاح، وتنشر المجاعة بين السكان، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية والمستلزمات الطبية، ما فاقم من الأوضاع الصحية، وجعل المدنيين عرضة لمختلف أنواع الأوبئة والأمراض المعدية.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن مرضاً جديداً ومعدياً آخذ في الانتشار بين صفوف المواطنين، قد يساعد سوء التغذية ونقص الإمكانيات الطبية بسبب منع دخول المساعدات الإنسانية والمستلزمات الطبية إلى تفشيه وتحوله إلى وباء يفتك بالسكان الذين يعيشون ظروفاً غاية في القسوة.
هذا وأفاد زاهر الوحيدي، مدير وحدة المعلومات في وزارة الصحة، بأن هناك حالات تصل لأقسام الطوارئ في مستشفيات القطاع وخاصة مستشفى الشفاء وشهداء الأقصى، مصابة بفيروس جديد، أعراضه تشبه أعراض الأنفلونزا الموسمية، وشبيهة إلى حد كبير بأعراض فيروس كورونا، حيث يصاحب الحالات ارتفاع في درجة حرارة الجسم، وآلام في المفاصل وسيلان الأنف وسعال يصاحبه نوبات من الإسهال، ولكن وزارة الصحة لم تتحقق من ماهية الفيروس بسبب عدم وجود الأجهزة الطبية اللازمة للفحص وهي ( PCR- rapid test)، وقد يزداد انتشاره بسبب نقص المناعة الناجم عن سوء التغذية وازدحام الناس في الخيام وعدم توفر أدوات النظافة وبيئة صحية.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن الأمراض المعدية مازالت تنتشر في قطاع غزة بسبب الاكتظاظ وتردي ظروف السكان الخاصة بالحصول على المياه النظيفة، والصرف الصحي والنظافة الصحية، وضعف المناعة الناجم عن سوء التغذية، ولا تزال العدوى التنفسية الحادة والإسهال المائي الحاد أكثر الأمراض التي يجري الإبلاغ عنها، إذ شكلت ما نسبته 58 % و41 %، على التوالي من مجموع الحالات المسجلة بين يومي 3 و9 آب/أغسطس. كما ارتفع تسجيل حالات التهاب السحايا إلى 1,043 حالة منذ شهر أيار/مايو الماضي. كما ارتفع عدد حالات متلازمة غيلان باريه المشتبه بها إلى 94 حالة حصلت بينهم 10 وفيات، ومازال علاج هذه المتلازمة، مثل فصادة البلازما (تبديل البلازما) والغلوبولين المناعي الوريدي، غير متوفرة في المخازن.[1]
يقول المواطن (م. ز) من مدينة غزة: منذ نحو أسبوع، أعاني أنا وعائلتي من ارتفاع شديد في درجات الحرارة، وآلام حادة في العظام، إلى جانب الاحتقان الشديد، فيما يعاني أطفالي من إسهال متواصل، شعرت بالعجز وقلة الحيلة عندما بحثت في جميع الصيدليات والنقاط الطبية عن خافض حرارة لابني زين البالغ من العمر أربع سنوات، لكنني لم أجد أي دواء، واضطررت لإعطائه نصف حبة من دواء مخصص للكبار، إنه أمر يفوق قدرة العقل البشري على التصور أن يمرض طفل ولا يجد أبسط علاج مثل خافض حرارة أو مسكن، والأشد خطورة أن الجوع ترك أثراً بالغاً على أجسادنا، وخاصة أطفالي.
في حين لا تزال مستشفيات قطاع غزة تسجل بشكل يومي حالات وفاة جديدة بسبب تفشي المجاعة وسوء التغذية، معظمهم من الأطفال، حيث سجلت مستشفيات قطاع غزة 332 حالة وفاة نتيجة سوء التغذية، من ضمنهم 124 طفلًا، في ظل استمرار منع إدخال الغذاء والدواء والوقود اللازم لتشغيل المرافق الصحية. وبحسب مدير مستشفى التحرير للأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي الدكتور أحمد الفرا ” فهناك 5000 مريض مزمن مشخصون في القطاع، وتأثرت الأمراض المزمنة بشكل واسع بسوء التغذية، وتفاقم الخلل في معدلات السكر لدى أصحاب الأمراض المزمنة. كما أن النمو لدى الأطفال مهدد بالتراجع بسبب سوء التغذية والأطفال المصابون بمتلازمة غيلان باريه يعانون نقصاً في العلاج، والأطفال الخدج يواجهون انعدام الأمن الغذائي”.[2]
ولا تزال المستشفيات في شتى أرجاء غزة تواجه تحديات هائلة تعوق قدرتها على تقديم الرعاية الصحية المناسبة للمرضى، ووجهت وزارة الصحة نداء لتعزيز أرصدة وحدات الدم في المستشفيات حيث إن الاحتياج اليومي من وحدات الدم ومكوناته يزيد عن 350 وحدة دم، في ظل نقص حاد وخطير في وحدات الدم ومكوناته ونوعية الإصابات الخطيرة التي تصل للمستشفيات[3]. كما تفاقم استيعاب الأسرة داخل أقسام المستشفيات في قطاع غزة الى 300% مع ازدياد حالات الجرحى وتكدس الحالات على الأرض وفي الممرات في ظروف يصعب معها تقديم الرعاية الطبية، إذ كانت السعة السريرية للمستشفيات قبل الحرب 3560 سرير، وانخفضت إلى 1685 سرير جراء الهجمات الحربية، كما أن التهديدات بالإخلاء تزيد من تعقيد الوضع الصحي.[4]
وتستمر قوات الاحتلال في إغلاق جميع المعابر، وبحسب المعلومات الميدانية، فإنها تمنع إدخال 430 صنفاً من الأغذية اللازمة لصحة الإنسان إلى قطاع غزة (من أبرزها اللحوم الحمراء والبيضاء، البيض، السمك، الفواكه، الخضروات، المكملات الغذائية) حيث لم يسمح خلال الثلاثين يوماً الماضية إلا بإدخال 14% فقط من احتياجات السكان، ما أسفر عن عجز يقدر بنسبة 86% في المساعدات الضرورية المطلوبة، حيث أكثر من 95% من السكان بلا أي مصدر دخل أو مال لشراء ما يتوفر في الأسواق بسبب ارتفاع أسعار السلع.
وعلى صعيد انتشار القمامة والمخلفات الخطيرة على صحة الإنسان، فقد حذرت بلدية غزة من تفاقم الكارثة الصحية والبيئية جراء تراكم كميات ضخمة من النفايات في الشوارع والمكبات المؤقتة، وانتشار الأمراض والجرذان، خصوصاً في مناطق النزوح المكتظة، ومع عجز الطواقم عن الوصول إلى العديد من هذه المناطق نتيجة الوضع الأمني الخطير وتحذيرات اجتياح مدينة غزة، ومحدودية الموارد وتدمير الاحتلال لمعظم آليات البلدية، إلى جانب محدودية كميات الوقود المتوفرة، حدث شلل شبه كامل في عمليات جمع النفايات، وقلصت الخدمات الأساسية المقدمة للسكان. أضف إلى ذلك ما تلقيه قوات الاحتلال من قذائف وآلاف الأطنان من المتفجرات التي تترك آثاراً خطيرة على التربة والهواء ….الخ.
وفي نفس السياق، ترفض قوات الاحتلال إدخال الوقود والمعدات اللازمة لإصلاح أنابيب المياه ومحطات تحلية المياه المتضررة، ما يجعل من المستحيل على المدنيين الحصول على ما يكفي من المياه، لا سيما مياه الشرب النظيفة، وقد يتسبب ذلك بعواقب صحية مميتة، حيث أدت قلة توفر المياه النظيفة إلى زيادة أمراض الجرب والإسهال المائي الحاد، كما أنها ضرورية للمستشفيات للحد من انتشار العدوى، فمنذ شهر حزيران/يونيو 2024، وافقت السلطات الإسرائيلية على طلب واحد فقط من أصل كل عشرة طلبات قدمتها منظمة أطباء بلا حدود من أجل استيراد المواد اللازمة لتحلية المياه.[5]
وتفتقر الأسواق في قطاع غزة إلى المعقمات ومواد وأدوات النظافة الشخصية في ظل العوائق أمام دخول الإمدادات إلى غزة. ويشتكي النازحون من عدم قدرتهم على تلبية احتياجاتهم المتعلقة بالنظافة الشخصية واستمرار تفشي الأمراض المعدية وتلوث المياه وغياب خدمات الصرف الصحي.[6]
صرحت جويس مسويا، الأمينة العامة المساعدة للشؤون الإنسانية ونائبة منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، بأن المجاعة ناجمة عن 22 شهراً من الإجراءات التي تقيد إيصال المساعدات الإنسانية والسلع التجارية وتعرقلها، وتدهور أنظمة الصحة والتغذية، وانعدام المأوى اللائق وانهيار شبكات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، مما سرع من وتيرة انتشار الأمراض وحول النظافة الصحية في أثناء الدورة الشهرية إلى كابوس للنساء والفتيات.”[7]
وعليه، يجدد المركز مطالبته للمجتمع الدولي بضرورة التدخل الفوري استناداً لالتزاماته القانونية بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، لإجبار دولة الاحتلال على وقف جريمة الإبادة الجماعية، وفرض وقف إطلاق النار، والإقلاع عن استخدام سياسة العقاب الجماعي والتجويع كسلاح، والعمل على حفظ أرواح المدنيين في قطاع غزة من خلال رفع الحصار وضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية بأقصى حد من خلال المعابر كافة، والابتعاد عن الحلول الوهمية كإسقاط المساعدات من الجو، وتفعيل آليات المساءلة والمحاسبة، لضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب، وتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية بحق نتنياهو وجالانت، فيما يتعلق بالتجويع واستخدامه كسلاح في الإبادة بحق المدنيين.
مركز الميزان لحقوق الإنسان يدين بشدة استمرار جرائم قوات الاحتلال في سياق حرب الإبادة الجماعية، واستمرارها في فرض الحصار المشدد على قطاع غزة، ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية الوقود والمساعدات الإنسانية ما فاقم من الأوضاع الصحية للمدنيين وساهم في تفشي الأمراض المعدية والخطيرة. ويؤكد المركز بأن الظروف المعيشية والصحية القاسية التي فرضتها إسرائيل عمداً، والعمل على تكريس الجوع والعطش، وتفشي الأمراض في ظل نقص الدواء، يأتي ضمن نهج متعمد لتكريس الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، ومنع الحد الأدنى من الخدمات الأساسية بهدف إلى إيقاع أكبر الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
وعليه، يطالب المركز المجتمع الدولي بالتدخل لإجبار إسرائيل على وقف جريمة الإبادة الجماعية، والعمل على تمكين الجهات المختصة من تقديم خدماتها المنقذة للحياة، وإنهاء كافة القيود والمعوقات أمام حصول المرضى على خدمات الرعاية الصحية، والسماح بسفر المرضى إلى الخارج لتلقي العلاج، وتسهيل مرور المساعدات والوقود وإرساليات الأدوية والمستهلكات والمستلزمات الطبية كافة، والسماح للطواقم الطبية والوفود بالدخول إلى قطاع غزة، وإعادة تأهيل المستشفيات ومراكز الخدمات الصحية والخدمات الأساسية كالمياه والصرف الصحي وخدمات جمع النفايات ونقلها إلى المكبات، والكهرباء، وغيرها من الخدمات التي لا غنى عنها لحياة السكان.
تقرير حالة الطواري عدد 63، منطمة الصحة العالمية[1]
تقرير وزارة الصحة الفلسطينية[3]
تقرير وزارة الصحة الفلسطينية [4]