العربية لحقوق الإنسان .. 35 عاماً ودروس مستفادة
جريدة المصري اليوم
أ. علاء شلبي
نشارك العالم احتفالهم بسبعينية اليوم العالمي لحقوق الإنسان، والذي فتح الباب شاسعاً أمام تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان كركن أساس في القانون الدولي العام الحاكم للعلاقات الدولية. ونحتفل عربياً بالذكرى الـ 35 لتأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان كأول منظمة إقليمية قادت عربياً ميلاد حركة حقوقية ذات طابع جماهيري متنامي، في مسيرة حفلت بصعوبات لم تنقطع وحققت منجزات لا يمكن إغفالها أو التقليل منها.
برزت الرغبة في تأسيس المنظمة بداية من 1975، وارتبط تصاعد هذه الرغبة بالاستمرار غير المقبول في فرض القيود القانونية على الحريات وإعاقة التحول الديمقراطي ومواصلة الانتقاص من التمتع بالحقوق، بالرغم من تغير الأولويات العربية بعد أن تراجع الصراع العربي الإسرائيلي نسبياً من خلال توقف الحروب ذات الطبيعة الشاملة.
ولم يكن تأسيس المنظمة ونشاطها- يحظيان بأي قدر من السهولة في ظل هذا المخاض الطويل، فقد واجهت المنظمة عواصف عاتية، بدأت بصعوبات الاعتراف التي استمرت لـ 17 عاماً، وملاحقة فروعها الناشئة المعنية بالعمل على المستويات الوطنية في البلدان العربية، فضلاً عن تعرضها للكثير من المحاولات العربية والأجنبية للهيمنة عليها سياسياً، بل ومحاولات لتفخيخها من داخلها، ومؤخراً محاولة تنظيمات سياسية استلاب اسمها وشعارها لخدمة أهدافهم.
لكن المنظمة وبفضل تشبثها بالعمل الجماعي وبفلسفة التطوع وبالديمقراطية الذاتية، كانت قادرة على التغلب على العوائق القانونية والسياسية. فقبل وبعد الاعتراف بها قانوناً في مايو 2000، نجحت المنظمة في الإفراج عن الآلاف من سجناء الرأي والعفو عن مئات محكوم عليهم بالإعدام في قضايا سياسية، وذلك من خلال بعثات تقصي الحقائق والمساعي الحميدة وحملات التضامن، فضلاً عن مساعدة الآلاف من الضحايا عبر حل شكاواهم مع مختلف الحكومات العربية ضمن جهد تدركه الحكومات والضحايا دون غيرهم.
ورغم الصعوبات، فقد وفرت المنظمة الدعم التقني لكل حكومة عربية طلبت إرشادات للبدء في تحسين وضعية حقوق الإنسان، دون أن يثني ذلك المنظمة عن المخاطبة الصريحة لانتهاكات حقوق الإنسان من خلال التقرير السنوي الذي يصدر بانتظام منذ 1987.
وعندما كان العرب والعالم أسرى لحقوق الإنسان السياسية فقط، فقد انتبهت المنظمة مبكراً لتداعيات ما بعد الحرب الباردة وأولت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الاهتمام اللائق بها في ظل شيوع سياسات التكيف الهيكلي والتقشف، وهو ما منح المنظمة لاحقاً دور مركزي على الساحة الدولية للإسهام في بلورة “مقاربة حقوق الإنسان للتنمية” واستراتيجية “التمكين القانوني للفقراء”، وشكل ذلك تعويضاً لغياب عربي عن بلورة المفاهيم والأسس العالمية الجديدة.
وعندما مورست الضغوط على المنطقة لإجراء إصلاحات تتفق مع أولويات المصالح الغربية، أعادت المنظمة بلورة أجندة للإصلاح وفق مصالح الشعوب العربية وأولوياتها.
وبينما لم تتردد المنظمة في إعلان دعمها وتأييدها للثورات الشعبية، فلم تتردد أيضاً في التمسك بالمحافظة على وحدة الدولة الوطنية واستدامة مؤسساتها الجوهرية باعتبارها الأساس الوحيد المتاح لحماية حقوق الإنسان، فمن المؤكد أن حياة الناس في ظل التفتت تحت سطوة الميليشيات وجماعات الإرهاب لن تكون أوفر حظاً، بل وتضحى انتهاكات حقوق الإنسان أوسع نطاقاً وأكثر جسامة.
وبينما عُنيت المنظمة منذ الميلاد بالاهتمام بالتربية على حقوق الإنسان باعتبارها الأساس القوي المستدام لتعزيز الحقوق، فقد أسهمت في إنشاء المعهد العربي لحقوق الإنسان في تونس 1989 للعب الدور المركزي في هذا المجال.
إن التردي المذهل الراهن لوضعية حقوق الإنسان في المنطقة ليس قدراً مقدوراً، ففضلاً عن كونه جزء لا يتجزأ من التردي الدولي العام، يبقى التردي عربياً أزمة ناجمة عن ضعف الإدراك الرسمي بأهمية حقوق الإنسان وأولويتها في أجندة العمل الوطني، وبالمثل أجندة العمل الجماعي العربي.
تقف المنظمة مستعدة دوماً كبيت خبرة عربي متخصص لتوفير الإرشادات والمساعدات لبلدان المنطقة للمضي قدماً في تعزيز احترام وحماية حقوق الإنسان ونشر ثقافتها، وفق فهم دقيق وأفضل للإشكاليات القائمة، ولكيفية الجمع بين الثوابت الوطنية وبين التقدم على صعيد الحريات والحقوق.
* * *