افتتاح الدورة التدريبية ..لبناء قدرات العاملين والمهتمين بالقانون الإنساني الدولي .. الكويت 27 – 30 نوفمبر/تشرين ثان 2016
كلمة الأستاذ علاء شلبي
الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان
الأستاذ الدكتور / هلال مساعد الساير
رئيس مجلس إدارة جمعية الهلال الأحمر بجولة الكويت
الأستاذ الدكتور يحيى عليبي
نائب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر
السيدة الأستاذة / مها البرجس
رئيس مجلس الأمناء بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان بالإنابة
السيدات والسادة الضيوف الموقرين والمشاركات والمشاركين في أعمال الدورة التدريبية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
يسعدني أن أكون بينكم اليوم في افتتاح أعمال الدورة التدريبية لبناء قدرات العاملين والمهتمين بالقانون الإنساني الدولي، والتي نتشرف بأن نشارك في تنظيمها مع جمعية الهلال الأحمر ببلدنا الغالي الكويت، والتي تستهدف تطوير قدراتنا العربية الذاتية للاضطلاع بمسئولياتنا تجاه المحن والأزمات التي تمر بها أمتنا العربية في واحدة من أصعب المراحل في التاريخ المعاصر، والتي تتطلب تكاتفنا جميعاً للتغلب على التداعيات الإنسانية الهائلة المُتولدة عن هذه النكبات، والتي باتت تمس نحو ثلث سكان الوطن العربي بشكل مباشر.
واسمحوا لي ها هنا أن أثمن عالياً تلك العلاقة الخاصة التي تربط بين المنظمة العربية لحقوق الإنسان وبين المجتمع الكويتي، وهي علاقة تعود لمرحلة ميلاد المنظمة والمساهمة العظيمة في قيادة دفتها وتعزيز مسيرتها في المراحل المختلفة، وكان للجيل المؤسس للمنظمة من أبناء الكويت إسهاماتهم الرائدة، لا سيما في مجال دعم استقلال المنظمة وقدرتها على النهوض لمسئولياتها الكبيرة، ودعم جوهر رسالتها كآلية أهلية عربية تعمل بأيدي أبناء المنطقة لإحداث التراكم الداخلي الضروري لبلوغ هدف تعزيز احترام وحماية حقوق الإنسان ونشر ثقافتها والوعي بها.
وأستذكر ها هنا العشرات من الفاعلين الكويتيين الذين شكلوا عنواناً مهماً لهذا الدور، وأخص منهم بالذكر الراحل “جاسم القطامي، والدكتورة “سعاد الصباح”، والأستاذة الدكتورة “سهام الفريح”، والأستاذة “مها البرجس”.
السيدات والسادة الموقرين
إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان،، وبحكم جهودها في مجال العمل الميداني على امتداد ساحات الأزمات والاضطرابات في المنطقة العربية،، تنظر بتقدير كبير للدور والإسهام المهم الذي تلعبه جمعية الهلال الأحمر الكويتي والبرامج المنبثقة عنها، فلا تخلو ساحة عربية تواجه أزمات إلا وكانت إسهامات الهلال الأحمر الكويتي ماثلة للعيان لزملائنا ولباحثينا الميدانيين، وهو دور نعلم بيقين واطلاع ما له من امتداد خارج بلدان النزاعات، كما خارج منطقتنا العربية كذلك في العشرات من بلدان العالم.
ولقد استشعرت المنظمة منذ ميلادها أهمية الحاجة للدور الإنساني المهم في معالجة الأزمات الإنسانية وفي تحفيف المعاناة عن الضحايا، ما دفع الأباء المؤسسون للمنظمة إلى وضع مهام المساعدة الإنسانية في صلب المقاصد التي يحددها النظام الأساسي للمنظمة، ورغم الصعوبات التي تكتنف نهوض المنظمة ببعض هذه الأعباء، إلا أنها لم تجد مفراً من لعب أدوار أساسية في هذا المجال، وخاصة في دولة المقر في جمهورية مصر العربية، وفي خضم الأزمة الكبرى التي تشهدها الشقيقة سوريا، والتدهور اللاحق في كل من ليبيا واليمن.
ولقد عملت المنظمة في هذا الإطار في خطين متوازيين، شمل أولهما مساعدة هؤلاء الضحايا على تنظيم أنفسهم منذ العام 2012 باعتبارهم الأكثر دراية والأكثر قدرة بحجم ونوعية الاحتياجات، كما هم الأقدر على ترشيد المساعدات وعلى ضمان وصولها لمستحقيها. وبرز ذلك في تأسيس برنامج “الجالية السورية في مصر”، وبرنامج “رابطة سوريات”، وأربعة مراكز للخدمة المجتمعية للاجئين، ولعل من أبرزها مؤخراً المشروع المهم الذي يجري بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر الكويتي و”مجموعة نست” المختصة بالتعليم من أجل تقديم الدعم لصالح استدراك نحو ثلاثة آلاف طالب سوري لحقهم في التعليم في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي في مصر خلال العام الدراسي الحالي.
وثانيهما تمثل في التحرك على المستوى القانوني والسياسي بالتعاون مع جامعة الدول العربية من خلال المساهمة في رسم خريطة الاحتياجات، والحث على اتخاذ التدابير التي من شأنها أن تسهم في تحفيف المعاناة الإنسانية للاجئين والنازحين، وتحسين شروط إصدار الإقامات، والاستثناء من قيود تواريخ انتهاء جوازات السفر، ومن ذلك أيضاً الدعوة لتأسيس آلية إغاثة إنسانية عربية للارتقاء بمسئولياتنا الأخلاقية تجاه أشقائنا في ضوء موجات الانتحار الجماعي في دروب الهجرة غير الشرعية، وهي الدعوة التي تبنتها القمة العربية في بلدنا الغالي الكويت في العام 2014، ونتوقع أن يكون لهذه الآلية حضور بارز في الأيام المقبلة بعدما باتت بنداً أساسياً على جدول أعمال الدكتور “أحمد أبو الغيط” الأمين العام للجامعة.
السيدات والسادة الموقرين
يهمني أيضاً أن أثمن بتقدير كبير الدور القيادي لدولة الكويت في رعاية ومساندة الجهود الدولية لمساندة الأشقاء السوريين، وخاصة من خلال المؤتمرين الدوليين الذين عقداً بدولة الكويت برعاية سمو الشيخ “صباح الأحمد الصباح” أمير دولة الكويت، والمشاركة القيادية في أربعة مؤتمرات عالمية مماثلة، شكلت جميعها مداً لطوق النجاة للملايين من الأشقاء السوريين في محنتهم.
السيدات والسادة الموقرين
إن الاهتمام العربي المتزايد بالاحتكام لأحكام وقواعد القانون الإنساني الدولي وتوسيع نطاق المعرفة والوعي بها يأتي لملاقاة الحاجة الماسة لمواكبة التحديات المتزايدة في منطقتنا العربية، والتي تولدت عن اتساع رقعة النزاعات المسلحة، والتحدي الكبير المرتبط بغلبة النزاعات الداخلية المسلحة والتي تشكل التحدي الأكثر تعقيداً للعاملين في مجال القانون الإنساني.
إننا ومع عميق الأسف انزلقنا إلى معاركنا الداخلية، تاركين خلفنا إرث من الهوان والانتهاك الممنهج المتواصل لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي على أرض فلسطين السليبة، وبتنا اليوم غارقين في أطماع أمراء الحرب الذين تتبدل الخرائط تحت أقدامهم بين ساعة وأخرى ومن مساحة شبر إلى مساحة متر، وكمن فضل الانتحار على التصدي بالوسائل القانونية والسياسية للغاصبين.
إن تكثيف الجهود العربية الذاتية في مجال إعمال أحكام القانون الإنساني الدولي لا يأتي فقط استجابة لواجبنا الإنساني والأدبي تجاه الإنسان العربي، بل أيضاً هو أداة مهمة وبالغة الأثر في تعزيز قدرة العمل الجماعي العربي للمعالجة السياسية لهذه الأزمات وتوفير الشروط الضرورية لتسويتها سلمياً بمعزل عن الآثار الناجمة عن التفاعلات الدولية، سواء تلك التفاعلات التي تؤجج الاختلالات، أو الجهود الطيبة التي لا تتوافر لها الدراية الكافية بأوضاع منطقتنا.
ولذا فإن جهودنا يجب أن تتجاوز نطاق التفاعل التقليدي مع القانون الإنساني الدولي، ويجب أن ترقى لمواكبة التطور الذي يشهده هذا الفرع المهم والمركزي بين أفرع القانون الدولي العام.
فالقانون الإنساني لم يعد بحكم تطور المفاهيم وخبرة التطبيق مجرد مجموعة القواعد التي تسعى للحد من آثار النزاع المسلح عبر حماية غير المنخرطين في النزاع أو أولئك الذين تخلوا عن المشاركة في الأفعال العدائية، وضمان الالتزام بمبدأي التمييز والتناسب، بل تحول إلى نطاق لجهود حية ومتواصلة للسعي لوقف الأفعال العدائية ذاتها، وأداة معيارية لأجهزة الأمم المتحدة لممارسة مسئولياتها في وقف الحرب ومنح الفرصة للأطراف المتحاربة لإعادة النظر في أفعالها وتوجهاتها وبالتالي إتاحة المجال أمام إعادة السلم.
وانتقل القانون الإنساني الدولي كذلك وبتراكم يتزايد منذ المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان 1968 من كونه قانوناً للحرب أو النزاعات المسلحة إلى القانون الذي يبتغي تحقيق السلم والأمن على المستويين الوطني والدولي عبر تكامله مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومن خلال أحكامه التي تعمل ضمان الحد الأدنى لحقوق الإنسان في سياق النزاعات، وأساساً للتدخل الدولي للأغراض الإنسانية، وكذا عبر تكامله مع القانون الدولي للجوء في ضوء اضطراد أزمات اللاجئين ثم من خلال توسيع نطاق الدور والولاية باتجاه النازحين داخل مناطق النزاع أو بسببها، ثم من خلال القانون الجنائي الدولي بالعمل على ضمان المساءلة والمحاسبة لمرتكبي الجرائم والانتهاكات وضمان منع إفلات الجناة من العقاب.
السيدات والسادة الموقرين
أدعوكم في الختام لاغتنام هذه الفرصة المهمة لتنمية المعارف وصقل المهارات التطبيقية على يد هذه النخبة المتميزة من الخبراء الموقرين من الكويت وخارجها، وبما يرتقي بقدراتنا الذاتية في النهوض بمسئولياتنا الإنسانية والأخلاقية، ويُوفر الفرصة لإدراك المتحاربين بين ظهرانينا أن كلفة السلم والاستقرار والحوار تبقى دوما ثمناً بسيطاً نسدده كبشر عن تلك الكلفة التي نسددها عبر اللجوء للحرب والعنف أياً كانت المبررات وأياً كانت المكاسب.
أكرر شكري لجمعية الهلال الأحمر الكويتي والزملاء الموقرين في مجلس إدارتها وجهازها الفني والتنفيذي، ومتميناً لكم التوفيق والنجاح، ومتمنيا للكويت ولكل ربوع الأمة العربية السلام والاستقرار والازدهار.
* * *