مصر … قانون الجمعيات الجديد يعصف بالحق في التنظيم
تتعرض الجمعيات لقيود قانونية شديدة، بموجب هذه القيود يصادر الحق في تكوين التجمع والتنظيم؛ وهو ما يشكل انتهاكا للدستور المصري والمواثيق الدولية المصدقة عليها الحكومة والتي تضمن وتكفل هذا الحق.
فقد نص الدستور المصري في المادة (75) على أن “للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطي، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار. وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل في شئونها، أو حلها أو حل مجالس إداراتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي. ويحظر إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سريًا أو ذا طابع عسكري أو شبه عسكري، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون.
كما كفلت المادة (22) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية –الذي صادقت الحكومة المصرية عليه وأصبح جزء لا يتجزأ من قانونها الداخلي وفقاً للمادة 151من الدستور-الحق في تكوين الجمعيات بنصها على الآتي :
1)لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.
2) لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون، وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم، ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق.
وبرغم ذلك قيدت الحكومة المصرية وجود نشاط مؤسسات ومنظمات العمل الأهلي من خلال التشريعات المختلفة التي وضعتها لتنظيم عمل هذا القطاع، ولعل القانون 32 لسنة 1964 من أشهرها تقييدًا للعمل الأهلي وسوء السمعة؛ وهو ما جعله محلاً للانتقاد والهجوم من قبل منظمات ومؤسسات أهلية، وعندما شرعت الدولة في طرح مشروع قانون بديل نجح نشطاء العمل الأهلي وحقوق الإنسان على وجه الخصوص في تشكيل حملة من النقاش والحوار حول القانون؛ وهو ما دفع بالحكومة إلى إشراك بعض قيادات العمل الأهلي وحقوق الإنسان في لجنة صياغة القانون.
وبصدور القانون 153 لسنة 1999 أعلنت الدولة مرة أخرى تمسكها الشديد باتجاه التقييد للعمل الأهلي وضربت عرض الحائط بآراء نشطائه، بل وما انتهت إليه لجنة الصياغة للقانون ذات الأغلبية الحكومية، وسرعان ما سقط القانون سريعًا بعد أقل من عام لعدم دستوريته بناء على حكم محكمة الدستورية العليا في 3 يونيه عام 2000؛ فالسرعة التي اكتنفت عملية تمرير القانون في مجلس الشعب والرغبة في تجنب المزيد من النقاش والجدل، لم تسفر فقط عن الوقوع في خطأ إجرائي أدى لعدم دستورية القانون فقط، ولكنه عكس أيضًا أن الممارسات الفعلية للدولة قد غلب عليها سمة التردد.
وجاء القانون رقم 84 لسنة 2002 بذات الصياغة والنصوص التي كان عليها القانون رقم 153 لسنة 1999، بل قوى من قبضة الجهات الإدارية على العمل الأهلي في مصر ، حيث جاء حاملاً في جنباته العديد من الإجراءات أو الأدوات التي من شأنها أن تحفظ للجهة الإدارية قدرتها على الإشراف والتدخل في تحديد هامش الحركة الممنوح للجمعيات الأهلية، وهو ما تجلى في تباين وجهتي نظر الجهة الإدارية ونظر الرافضين للقانون حول المادة رقم 42 الخاصة بإعطاء حق حل الجمعيات إلى الجهة الإدارية، والمادة رقم 2 التي تنص على اختصاص القضاء الإداري في نظر منازعات الجمعيات والمؤسسات الأهلية، فبموجب القانون تقوم الجهات الإدارية بالإشراف والتدخل في عمل الجمعيات الأهلية بداية من بحث وفحص مدى توافر شروط تأسيس الجمعية من عدمه والغرض من قيامها وشروط عضويتها وانتخاب مجالس إداراتها وانتهاء بفحص ومراقبة ممارساتها وميزانياتها ومدى التزامها بميدان ومجال نشاطها وكيفية استغلال واستثمار أموالها.
ومن هنا برزت العديد من المطالب المطالبة بتعديل قانون الجمعيات الأهلية لتلافي أوجه العوار في القانون الحالي، ولكن في المقابل طرح مجموعة من أعضاء البرلمان مشروع قانون يعصف بالحق في التجمع والتنظيم ويتعارض مع الدستور والمواثيق الدولية ذات الصلة.
حيث تضمن مشروع القانون مجموعة من الملاحظات التي يمكن بيانها على النحو التالي:
أولاً: المادة الثالثة من المشروع المقترح تنص على أن “يشترط لإنشاء الجمعية أن يكون لها نظام أساسي مكتوب يتفق مع نموذج النظام الأساسي الذي تحدده اللائحة التنفيذية، وموقع عليه من جميع المؤسسين، وأن تتخذ لمركز إداريتها في جمهورية مصر العربية مقراً مستقلاً عن باقي الجمعيات أو الأشخاص الأخرى، وأن يكون ملائماً لممارسة نشاطها، وفي جميع الأحوال يجب أن يتضمن النظام الأساسي لكل جمعية النص علي التزامها باحترام الدستور والقوانين وعدم الإخلال بالأمن القومي والنظام العام والآداب العامة أو عدم أي منها”، وبالتالي فهي تجعل النظام الأساسي الذي تضعه الوزارة إلزاميا ؛ فتلزم الجمعية بأن يكون نظامها الأساسي متفق مع نموذج النظام الأساسي المرفق بالقانون ؛ وهذا أمر غير دستوري ؛ فالأعضاء لهم مطلق الحرية في وضع النظام الأساسي الذي يريدونه بشرط أن يكون متفقا مع القانون
ثانياً: تنص ذات المادة السابقة على أن يكون للجمعية مقرا مستقرا وهو أمر يدعو للتساؤل حول تفسير المقر المستقر وعدم وضع ضوابط تحكم هذا الأمر لأنه يترك الأمر للائحة التنفيذية التي يمكن أن تغل يد المؤسسين تحت حجة المقر المستقل، وبالتالي نلاحظ أن هذا الأمر يمثل قيد على القائمين على الجمعية في حالة نقل مقر الجمعية من مكان لأخر.
ثالثاً: نصت المادة الرابعة على انه ” يشترط في عضو الجمعية المؤسس أو عضو مجلس الإدارة أو مجلس الأمناء بحسب الأحوال أن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، ولم يصدر ضده حكم نهائي بعقوبة جنائية أو مقيدة للحرية في جنحة مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره” وهو الأمر الذي يجعل تشكيل الجمعية مرهون بالسجل الجنائي للعاملين بها.
رابعاً: نصت المادة الثامنة من مشروع القانون في الفقرة (و) ما يفيد سداد رسم لا يجاوز مقداره عشرة آلاف جنية مقابل قيد نظام الجمعية في السجل الخاص بالجهة الإدارية تؤول حصيلته إلى صندوق دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وهو مبلغ مبالغ فيه على الراغبين في العمل الأهلي والتطوعي وخدمة المجتمع مما يجعل تأسيس الجمعيات أمرا مكلف للعديد من الفئات الاجتماعية
خامساً: نصت المادة التاسعة في فقرتها الأولي على يسلم طالب تأسيس الجمعية إيصالا يدل علي استلام إخطاره يبين فيه ساعة وتاريخ استلام الإخطار وشخص مستلمه، ولا يجوز الامتناع عن قبول أوراق الإخطار إلا إذا كانت غير مستوفاة للبيانات والمعلومات والمستندات المطلوبة، وهو أمور تفتح الباب أمام الجهة الإدارية لعدم استلام الأوراق بحجة أنها غير مستوفاة
سادساً: نصت الفقرة الثانية والثالثة من المادة التاسعة على ” تبين للجهة الإدارية خلال مدة ثلاثين يوم عمل من تاريخ الإخطار أن من بين أغراض الجمعية نشاطاً محظوراً أو مؤثماً وفق قانون العقوبات أو أي قانون آخر أو أن بيانات أو ملحقات الإخطار غير مستوفاة، أوقفت القيد بقرار مسبب يخطر به ممثل جماعة المؤسسين بموجب كتاب موصي عليه بعلم الوصول. وفي هذه الحالة لممثل جماعة المؤسسين تصويت الخطأ أو استيفاء البيانات أو الطعن علي هذا القرار أمام المحكمة المختصة خلال ستين يوم عمل من تاريخ إخطاره”، وعليه هي جعلت العبء على الراغب في العمل الأهلي باللجوء للقضاء لإثبات أن نشاطه غير محظور رغم أن الأصل في القانون هو الإباحة وليس العكس
سابعاً: نصت المادة الرابعة عشر على ان تعمل الجمعيات على تحقيق أغراضها في ميادين التنمية والرعاية الاجتماعية وذلك لتنمية المجتمع وفقا لخطة الدولة واحتياجاتها التنموية وأولوياتها. ولا يجوز حظر مباشرة أي نشاط مما تقدم إلا إذا ورد بالمخالفة لشروط التأسيس أو أهداف الجمعية، أو تعلق بالأنشطة السياسية أو الحزبية أو النقابية وفقا للقوانين المنظمة لها . ومن هنا هو قصر أنشطة الجمعيات الأهلية على مجموعة معينة من الميادين الأمر الذي يمثل تقييد للعمل الأهلي
ثامناً: جاءت المادة الخامسة عشر وهي يخضع رؤساء وأعضاء مجالس إدارة ومجالس أمناء الجمعيات وغيرها من الكيانات المنظمة بموجب أحكام هذا القانون إلي قانون الكسب غير المشروع ويلتزمون بأحكامه” وهذا النص غير دستوري بالمرة لأن هذه أموال خاصة فكيف تخضع لجهاز الكسب غير المشروع، وبالتالي فقد حول العاملين في العمل الأهلي إلى موظفين حكوميين بموجب هذا النص الأمر الذي يفقدهم استفلاهم
تاسعاً: جاءت المادة التاسعة عشر لتضمن بعد غير دستوري ، حيث نصت على أن ” يجوز للجمعية أن تتعاون أو تنضم أو تنتسب أو تشارك في ممارسة نشاط أهلي لا يتنافى مع أغراضها مع جمعية أو هيئة أو منظمة محلية أو أجنبية بشرط الحصول علي ترخيص من الجهة الإدارية بناء علي طلب يقدم بذلك”
عاشراً: المادة الواحدة والعشرين تقيد من قدرة الجمعيات على فتح مقرات فرعية لها حيث نصت على أن “لا يجوز للجمعية فتح مقرات أو مكاتب تابعة لها في اى من محافظات الجمهورية تخضع لأشرافها المباشر; لمباشرة وتنفيذ أنشطتها المختلفة بخلاف مقرها الرئيسي إلا بعد موافقة كتابية مسبقة من الوزير المختص أو من يفوضه موضحاً فيها عنوان هذا المقر والنشاط المستهدف والمدير المسئول عنه والعاملين فيه”
حادي عشر: جاءت المادة الثالثة والعشرين لتتضمن تقييدا لعمل الجمعيات بوضع شرط الحصول علي ترخيص من الجهة الإدارية قبل تلقي تبرعات داخلية لمدة ثلاثين يوما حيث نصت على أن ” ويشترط إخطار الجهة الإدارية قبل تلقى أو جمع التبرعات بثلاثين يوم عمل وصدور الموافقة اللازمة لذلك”
ثاني عشر: جاءت المادة الرابعة عشر مبهمة وغير واضحة حيث أحالت تلقي التبرعات الخارجية إلى اللائحة التنفيذية وهو الأمر الذي يجعل من تلقي التمويل رهينة في يد الجهة الإدارية حيث نصت على أن “ويصدر الوزير المختص قرارا بتنظيم إجراءات وقواعد تلقى الأموال بعد أخذ رأى الجهاز وذلك خلال ثلاثين يوم عمل من تلقى الأموال ودخولها حساب الخاص بالجمعية، وللجهاز حق الاعتراض خلال ستين يوم عمل تالية من تاريخ الإخطار”، ومن هنا فإن هذا الأمر هو عبارة عن تقييد مقنن للعمل الأهلي في مصر حيث يفرض قيود على تلقي تمويل أجنبي.
ثالث عشر : جاءت المادة 27 هي الأخرى لتتضمن تناقضا واضحا لنص القانون فقد جاءت متعارضة مع نص المادة الرابعة والتي حظرت العمل الأهلي على أي شكل لا يتخذ شكل الجمعيات الأهلية، ولكن جاءت الفقرة الثانية من المادة السابعة والعشرين لتخضع هذه الكيانات – التي تعد بموجب المادة الرابعة غير شرعية – لرقابة جهة الإدارية.
رابع عشر: نصت المادة الرابعة والأربعين على أن “ويصدر الوزير المختص قرارا بتنظيم إجراءات وقواعد تلقى الأموال بعد اخذ رأى الجهاز وذلك خلال ثلاثين يوم عمل من تلقى الأموال ودخولها حساب الخاص بالجمعية، وللجهاز حق الاعتراض خلال ستين يوم عمل تالية من تاريخ الإخطار، وللجهة الإدارية بقرار يصدر منها إيقاف النشاط المخالف مؤقتاً لحين صدور حكم المحكمة” الأمر الذي يمثل عدوان على السلطة القضائية والتدخل في اختصاصها بإصدار قرار بإيقاف النشاط دونما إصدار قرار بذلك من المحكمة.
خامس عشر: نص مشروع القانون في المادة الثانية والسبعين على إنشاء جهاز قومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، حيث يتولى إدارة الجهاز مجلس إدارة، يصدر بتشكيله قرار من رئيس الجمهورية برئاسة رئيس متفرغ يكون بدرجة وزير لمدة ثلاث سنوات قابله للتجديد، وعضوية ممثلين للوزارات والجهات المعنية التالية، يختارهم الوزراء ورؤساء تلك الجهات
- ممثل لوزارة الخارجية
- ممثل لوزارة الدفاع
- ممثل لوزارة العدل
- ممثل لوزارة الداخلية
- ممثل لوزارة التعاون الدولي
- ممثل للوزارة المختصة
- ممثل لجهاز المخابرات العامة
- ممثل للبنك المركزي
- ممثل لوحدة غسل الأموال
- ممثل لهيئة الرقابة الإدارية
هو الأمر الذي يمثل تدخل في أعمال المنظمات غير الحكومية ويفقد دورها المطلوب ويعتبرها تابع للحكومة
سادس عشر: جاءت المواد 87 و 88 تعاقب بعقوبات سالبة للحرية وهي عقوبات مبالغ فيها، كما أنه لا يجوز فرض عقوبات سالبة على مخالفات في العمل الأهلي، حيث نص القانون على عقوبات تصل إلى خمس سنوات وذلك للعاملين في العمل الأهلي وهي عقوبات تمثل عزوف عن المشاركة في العمل الأهلي.
***
البيان صادر عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان