قانون الجمعيات والعودة للمربع صفر
استبشر المهتمون بالعمل الأهلى والعاملون فى مؤسسات المجتمع المدنى خيراً بتصريحات السيد رئيس الجمهورية أثناء مؤتمر الشباب بإعلان سيادته أنه سيتوجه للبرلمان بطلب إعادة النظر فى قانون الجمعيات الأهلية الجديد، الذى أصدره مجلس النواب بديلاً للقانون رقم 84 لسنة 2002، إلا أن الجميع فوجئ بصدور القانون فى الجريدة الرسمية فى 24 مايو 2017 بتصديق الرئيس عليه ونشره وإلزام كل الجمعيات الأهلية فى مصر المسجلة بأن تعمل على توفيق أوضاعها خلال عام من تاريخ نشر القانون، كما سيصدر السيد رئيس الوزراء اللائحة التنفيذية للقانون وإلى أن تصدر، يظل العمل سارياً باللائحة القديمة والقرارات الوزارية القائمة.
وكان هذا القانون قد تعرض لانتقادات شديدة من منظمات المجتمع المدنى المصرية والدولية، واعتبر أنه بمثابة شهادة وفاة للمجتمع المدنى فى مصر نتيجة للقيود الشديدة التى فرضها القانون على المجتمع المدنى وقيد نشاط المنظمات إلى درجة أن الجمعية تحتاج إلى ترخيص لكل خطوة تقوم بها لتنفيذ أهدافها، ولا شك أن هذا القانون يخالف من حيث المبدأ المعايير الدولية الخاصة بحرية العمل الأهلى، والتى تلزم الدول بضرورة احترام الحق فى التجمع السلمى، وأن يعمل المجتمع المدنى دون تدخل فى شئونه وبقواعد الدولة الديمقراطية ووفقاً لسيادة القانون وكما ورد فى نص الدستور المصرى لضمان حرية الإنشاء وحرية النشاط والعمل دون قيود وتقيد تدخل السلطة التنفيذية إلا بما يؤدى إلى تنظيم العمل وتسهيل النشاط.
وقد يقول قائل إن هذا القانون يستهدف فقط منظمات حقوق الإنسان التى تنتقد السياسات الحكومية، إلا أن الذى يراجع نصوص هذا القانون يجد أنه يستهدف بالأساس المنظمات التنموية بالأساس، نعم، هو يصادر تقريباً عمل المنظمات الدفاعية الحقوقية، إلا أن القيود والتدخل فى العمل اليومى للمنظمات التنموية أدى إلى تحويلها إلى وحدات لدى السلطة التنفيذية لتنفيذ برامج الحكومة، وهو أمر يتعارض أساساً مع مفهوم المجتمع المدنى كقطاع ثالث بجوار القطاع الحكومى والقطاع الخاص.
ويذكر أن محاولات مؤسسات المجتمع المدنى المصرية لتغيير قانون الجمعيات بهدف تحرير هذا القطاع من السيطرة الحكومية وتقييد نشاطه بدأت مع قانون الجمعيات الأهلية رقم 32 لسة 1964، الذى كان يحكم العمل الأهلى فى مصر حتى عام 1999 عندما صدر القانون 153 الذى اعترضت عليه المنظمات الحقوقية وقادت حملة أدت إلى الحكم بعدم دستورية القانون لعيب شكلى، وهو أنه لم يعرض على مجلس الشورى باعتباره من القوانين المكملة للدستور، فصدر القانون 84 لسنة 2002 ولم يكن يلبى مطالب مؤسسات المجتمع المدنى المصرى، كما أنه تعرض للانتقادات من المجتمع الدولى عند مناقشة التقرير الدورى فى مجلس حقوق الإنسان عام 2010 ووعدت الحكومة بالعمل على تعديل مشروع القانون، كما وعدت أيضاً بالحوار المجتمعى حول القانون الجديد قبل إصداره، وبعد ثورة يناير تم العمل على أكثر من مسودة لمشروع القانون، وعندما تولى الدكتور أحمد البرعى وزارة التضامن، شكّل اللجنة العليا للعمل الأهلى التى ضمت ممثلى 18 منظمة ومؤسسة للنقاش حول قانون جديد للمجتمع المدنى وانتهت اللجنة بالفعل إلى مشروع قانون حدث توافق عام عليه من كل الجهات، وتغيرت الوزارة، ثم جاءت الوزيرة غادة والى، وشكلت لجنة لصياغة القانون ونظرت فى المشاريع المختلفة وكلفت لجنة الصياغة بالخروج بمشروع توافقى بالفعل تم صياغة مشروع توافقت عليه الاتحادات الإقليمية والنوعية مع الاتحاد العام، ثم كلف الاتحاد العام بإدارة نقاش مع الجمعيات الأهلية، وبالفعل تمت مناقشة مشروع القانون مع أكثر من 700 جمعية توافقت عليه وقبل تقديمه إلى البرلمان، فوجئت الوزيرة والمجتمع المدنى بمشروع مجلس النواب الذى تمت مناقشته والموافقة عليه بسرعة فى البرلمان.
وبصدور هذا القانون نعود مرة أخرى إلى المربع صفر، حيث صدر القانون الذى يعد وبحق قانوناً لمصادرة العمل الأهلى فى مصر.