حقوق الإنسان وكورونا – “نحو تباعد بدني وتقارب اجتماعي” – مقال أ.علاء شلبي – محام – رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان – جريدة المصري اليوم

0 65

حقوق الإنسان وكورونا – “نحو تباعد بدني وتقارب اجتماعي” 

علاء شلبي (*)

جريدة المصري اليوم

تشهد المنطقة العربية تدهوراً متزايداً في أوضاع حقوق الإنسان طوال العقدين الأخيرين على صلة بالافتقاد إلى الإرادة السياسية العربية والعالمية لاحترام وحماية الحقوق والحريات، سواء فيما يتصل بالميل السلطوي للنظم العربية للتحكم في مقادير الشعوب وبشكل يتصادم أحياناً مع مصالحها وتوجهاتها، أو فيما يتصل بسياسات الاحتلال والغزو والهيمنة الأجنبية التي فاقمت صراع المحاور الإقليمية في سياق المخاض نحو نظام عالمي جديد.

والتدهور الذي تعيشه الشعوب العربية يتفاقم في سياق الأزمات العارضة المحلية والإقليمية والكونية، ومن آخرها وأكثرها شراسة تحدي جائحة كورونا على المستوى العالمي، والذي تتصاعد آثاره المدمرة على الدول الأكثر هشاشة بالمعاني السياسية ولااقتصادية والاجتماعية، وتعاني كافة البلدان العربية من هذه الهشاشة، سواء بصورة كاملة في بلدان تراكم الأزمات من احتلالات أجنبية وحروب أهلية، أو بصورة قطاعية في بقية البلدان في سياق تفشي الإرهاب والتمييز وتدني الوصول إلى العدالة بمعناها الواسع.

وقد اختارت الأمم المتحدة تحدي “كوفيد – 19″ موضوعاً رئيساً لليوم العالمي لحقوق الإنسان 2020 تحت شعار “تعافى بصورة أفضل – وتصدي لحماية حقوق الإنسان” (Recover Better – Stand up for Human Rights)، تعبيراً عن التأثير الفادح لتداعيات جائحة كورونا على وضعية حقوق الإنسان عالمياً.

وتتفق الحركة الحقوقية العالمية، بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على التركيز على الحاجة إلى إعادة البناء بشكل أفضل من خلال ضمان أن تكون حقوق الإنسان مكوناً أساسياً لجهود التعافي، إيماناً بأنه لا يسعنا الوصول إلى الأهداف العالمية المشتركة إلا بامتلاك القدرة على تحقيق المساواة وضمان تكافؤ الفرص دون تمييز، مع معالجة أسباب الفشل التي أماطت عنها أزمة كورونا اللثام.

وقد أكدت جائحة كورونا حاجة العالم إلى التضامن لمواجهة الأزمة بطبيعتها الكونية والعابرة للحدود، وبينما شاع شعار “التباعد الاجتماعي” كآلية جوهرية للوقاية، فإننا نهتم بتعزيز فكرة التضامن في هذا الشعار من خلال التركيز على مفهوم “التباعد البدني والتقارب الاجتماعي”، والتي يمكن بلورتها من خلال تقاربنا وتضامننا وعملنا المشترك لضمان احترام وحماية حقوق الإنسان والتمتع بها باعتبارها الوسيلة الأهم لتخطي عقبات التمييز والتهميش وتعزيز مفهوم التضامن ضمن وسائل تعزيز صمود الأسرة البشرية.

وقادت الجائحة على المستوى الكوني لتفاقم التمييز بصفة عامة، وخاصة من خلال إيثار كل أمة لحاجاتها ومصالحها على حساب الأمم الأخرى، ومن خلال التمييز داخل كل أمة بناء على الأبعاد الاجتماعية العرقية والطائفية والمذهبية والطبقية.

وهو ما قاد بالتبعية لتفاقم مستويات الفقر والفقر المدقع مع ما أصاب القطاعات الاقتصادية بالشلل ورفع مستويات البطالة بالتوازي مع ارتفاع اسعار السلع والخدمات في ظل الاحتكارات القائمة، كما كشف عورات سياسات التكيف الهيكلي في دول العالم النامي التي باتت غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية بعد الاستغناء عن قاعدة الانتاج الوطني والبقاء رهينة للانتاج العالمي، بما في ذلك في بعض بلدان الوفرة المالية ذاتها.

ويتجلى ذلك بصورة أكبر في السباق العالمي على حصص اللقاحات الجديدة والإشكاليات الذائعة حول عدالة التوزيع والقيم السوقية للقاحات، الذي ينذر بمخاطر حول وصول الأقل دخلاً لهذه اللقاحات في الوقت المناسب، بالرغم من الشكوك الشائعة في جدواها، أو على الأقل في المدى الزمني للحصانة الصحية المكتسبة.

يُرسخ القانون الدولي لحقوق الإنسان من قيمة الكرامة الإنسانية المتأصلة في بني البشر، وما لم تبدأ الحكومات العربية بجدية في تبني سياسات تستجيب لاحترام وإعمال حقوق الإنسان وتعالج ميراث اللامساواة والتهميش والإقصاء، بالإضافة إلى تضامن بيني عربي جاد، فلن يكون من السهل تجاوز الأزمات القائمة والعارضة التي تمر بها في المدى المنظور.

إنه من المؤكد أن اللامساواة والتمييز يشكلان عائقاً جوهرياً في سبيل ترسيخ المواطنة وضمان تكافؤ الفرص، ووفقاً للأمم المتحدة، فإن إزالة التمييز وضمان المساواة يشكلان المدخل الضروري للعمل التنموي الرشيد لتفعيل الالتزامات بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وضمان الحقوق الثقافية.

* * *

(*) محام – رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان
—————————————————-
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2106908

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد